قصة تحول ناورو من الثراء إلى الفقر

لقد مرّ أكثر 50 عامًا على نيل ناورو الاستقلال. حيث استوطنها كل من ميكرونيزيا وبولينيزيان قبل 3000 عام على الأقل، ضُمت

ألمانيا

إلى هذه الجزيرة النائية في المحيط الهادئ عام 1888 ميلادي، وحكمتها

المملكة المتحدة

وأستراليا ونيوزيلندا بموجب تفويض من عصبة الأمم بعد

الحرب العالمية الأولى

، استولت عليها اليابان في عام ميلادي، ثم حكمها مرة أخرى المملكة المتحدة وأستراليا و

نيوزيلندا

، بموجب اتفاقية للأمم المتحدة حتى عام 1966. وجاء الاستقلال الكامل بعد ذلك بعامين.

ولكن، ما قصة جزيرة ناورو التي حولت من الثراء إلى الفقر؟


الموقع الجغرافي لجزيرة ناورو

تقع ناورو في جنوب غرب المحيط الهادئ ، وباعتبارها جزيرة مرجانية مرتفعة تقع في جنوب شرق ميكرونيزيا، على بعد 25 ميلاً (40 كم) جنوب

خط الاستواء

. وتبعد ناورو حوالي 800 ميل (1300 كم) عن شمال شرق

جزر سليمان

ويعتبر أقرب جار لها هي جزيرة بانابا، في كيريباتي، على بعد حوالي 200 ميل (300 كم) من الشرق. لا يوجد في ناورو عاصمة رسمية ، ولكن توجد كل المكاتب والمصالح الحكومية في مقاطعة يارين.

ترتفع معظم ناورو بشكل مفاجئ إلى حد ما من المحيط، ولا توجد موانئ أو مراس محمية. ويحيط بالجزيرة حزام خصب إلى حد ما ولكنه ضيق نسبيا وأيضا ببحيرة بوادا الشاطئية الضحلة. بالنسبة للمنحدرات المرجانية فهي ترتفع إلى هضبة 100 قدم (30 مترًا) فوق مستوى سطح البحر، وأعلى نقطة على ارتفاع حوالي 213 قدمًا (65 مترًا). وتتكون الهضبة إلى حد كبير من الفوسفات الصخري، الذي يتم رشه من ذرق الطائر، أو فضلات

الطيور

. تغطي الرواسب المعدنية أكثر من ثلثي الجزيرة، وترك استخراجها نتوءات غير منتظمة على شكل قمة من الحجر الجيري تمنح المناظر الطبيعية مظهرًا منفردا ليس له مثيل في العالم .


تحول ناورو من الثراء إلى الفقر

لم يكن معروفًا لدى الكثيرين أن ناورو كانت من أغنى دول العالم من حيث دخل الفرد بين الستينيات والسبعينيات. ولكن الشيء المذهل الذي حصل بسرعة كبيرة هو أنها أصبحت واحدة من أكثر البلدان فقرا وسمنة في العالم في غضون بضعة عقود فقط. وترجع الأسباب وراء ذلك إلى سوء التخطيط الاستراتيجي للمستقبل والافتقار إلى القيادة الجيدة ودور الحكومة في تحويل هذه الجزيرة الجميلة إلى مثال كارثي بسبب استغلال  الموارد غير المخطط له والفساد.

أصبحت ناورو أصغر جمهورية مستقلة في العالم في عام 1968، ونظرًا للمزايا الجغرافية التي انفردت بها ، كانت ناورو تملك أكبر مناجم الفوسفات في العالم، والتي كانت تستغلها في السابق قوى استعمارية كبيرة. بعد استقلالها، استحوذت شركة ناورو للفوسفات المملوكة للدولة على جميع عمليات التعدين والفوسفات والأصول من مفوضي

الفوسفات

البريطاني.

ويعتبر الفوسفات مركب شائع الاستخدام في

الأسمدة

وهو مفتاح الإنتاج العالمي للأغذية. مع سهولة لا تصدق في الحصول على المناجم، أصبحت مناجم الفوسفات في ناورو تستغل على نطاق واسع مما جعل سكان هذه الجزيرة الصغيرة أغنياء في فترة زمنية قصيرة جدًا. ولكن التعدين المكثف والسريع للفوسفات أدى إلى الإضرار بالبيئة لدرجة أن ناورو اضطرت إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للشكوى من الآثار الضارة لعمليات التنقيب الأسترالية على بيئتها.

ولكن رغم العقوبات والغرامات التي فرضت على عمليات التنقيب واستغلال الموارد من الفوسفات، لم تسر الأمور على ما يرام، وتحول الفوسفات إلى مورد محدود ولم يعد يذر بالثروات المعتادة حتى أن أعادة تدويره لم تعد تتم بطريقة مناسبة.وبحلول نهاية القرن الماضي كانت كل هذه الموارد على وشك أن تستنفد.

ونظرا لندرة مواردهم الأكثر قيمة، بدأ سكان ناورو الأثرياء للغاية في استيراد جميع منتجاتهم الغذائية من الدول المجاورة، والتي كانت عادةً أطعمة معلبة غنية بالمواد الحافظة والمواد الكيميائية. مع عدم وجود أي منتجع آخر أو صناعة محلية، حاولت حكومة ناورو تحسين وضعهم الاقتصادي بجعل ناورو ملاذاً ضريبياً. فشلت هذه الخطوة في النهاية أيضًا بسبب سوء الإدارة والفساد على نطاق واسع داخل حكومتها.

وأعقب ذلك الحظر الدولي من قبل دول كبرى مثل الولايات المتحدة التي حظرت أي معاملات بالدولار في ناورو. لم يكن هناك أي مخرج، فالبلد الذي كان يتمتع بأعلى دخل للفرد في العالم، أصبح الآن  مكللا بالاقتصاد المنهار ويحتاج إلى تدخلات خارجية لإنفاذه . وهو ما ساهمت به أستراليا إلى حد كبير وبتكلفة باهظة عُرفت باسم “الحل الهادئ” في عام 2001.

كان “الحل الهادئ” أساسًا هو الطريقة التي يمكن لأستراليا من خلالها إرسال بضع مئات من اللاجئين السريلانكيين والباكستانيين الذين جاءوا إلى أستراليا بالقوارب إلى مراكز الاحتجاز في ناورو. في المقابل وافقت

أستراليا

على إنقاذ ناورو من الوضع الاقتصادي ومساعدة الدولة الجزيرة الصغيرة ماليا.

ولكن المسألة لم تنتهي إلى هذا الحد، حيث كانت معسكرات احتجاز اللاجئين في ناورو من أكثرها انتهاكا لحقوق الإنسان بدرجة لا يمكن تخيلها.ونظرًا للقيود المشددة المفروضة على الوصول إلى الجزيرة، لم يكن من الممكن توثيق الكثير من الانتهاكات بشكل جيد. ظل عدد اللاجئين الذين أعيد توجيههم إلى مركز الاعتقال في ازدياد، وتفاقمت الأمور إلى درجة أن نقص إمدادات مياه الشرب في الجزيرة أجبر مراكز الاحتجاز في عام 2007 على الإغلاق. فتحت مراكز الاحتجاز مرة أخرى في عام 2012 ولكن دون أي تحسينات حقيقية على الظروف فيها وبالطبع استمرت الانتهاكات.

يمكن اعتبار ناورو مثالاً حيا عن الوضع الذي يمكن أن تقود إليه الإدارة غير المخطط  للموارد الطبيعية المحدودة والفساد الإداري والانتهاكات الإنسانية. وكيف يمكن لهذا أن يحول أكبر وأغنى الدول في وقت قصير إلى دول فقيرة لا تستطيع حتى أن تحقق اكتفاءها الذاتي لأبسط متطلبات الحياة.