أجمل قصائد الغزل نزار قباني

أُحبُّكِ حتى ترتفعَ السماءُ قليلاً

كي أستعيدَ عافيتي

وعافيةَ كلماتي

وأخْرُجَ من حزام التلوُّثِ

الذي يلفُّ قلبي

فالأرضُ بدونكِ

كِذْبَةٌ كبيرَهْ

وتُفَّاحَةٌ فاسِدَةْ

حتى أَدْخُلَ في دِينِ الياسمينْ

وأدافعَ عن حضارة الشِّعر

وزُرقَةِ البَحرْ

واخْضِرارِ الغاباتْ

أريدُ أن أحِبَّكِ

حتى أطمئنَّ

لا تزالُ بخيرْ

لا تزالُ بخيرُ

وأسماك الشِعْرِ التي تسْبَحُ في دَمي

لا تزالُ بخيرْ

أريدُ أن أُحِبَّكِ

حتى أتخلَّصَ من يَبَاسي

ومُلُوحتي

وتَكَلُّسِ أصابعي

وفَرَاشاتي الملوَّنَةْ

وقُدرتي على البُكَاءْ

أريدُ أن أُحبَّكِ

حتى أَسْتَرجِعَ تفاصيلَ بيتنا الدِمَشْقيّْ

غُرْفةً غُرْفةْ

بلاطةً بلاطةْ

حَمامةً حَمامَةْ

وأتكلَّمَ مع خمسينَ صَفِيحَةِ فُلّْ

كما يستعرضُ الصائغُ

أريدُ أن أُحِبَّكِ، يا سيِّدتي

في زَمَنٍ

أصبحَ فيه الحبُّ مُعاقاً

واللّغَةُ معاقَةْ

وكُتُبُ الشِعرِ، مُعاقَةْ

فلا الأشجارُ قادرةٌ على الوقوف على قَدَميْهَا

ولا العصافيرُ قادرةٌ على استعمال أجْنِحَتِهَا

ولا النجومُ قادرةٌ على التنقُّلْ

أريدُ أن أُحبَّكِ

من غُزْلان الحريَّةْ

وآخِرُ رسالةٍ

من رسائل المُحِبّينْ

وتُشْنَقَ آخرُ قصيدةٍ

مكتوبةٍ باللغة العربيَّةْ

أُحِبُّكِ

أُحِبُّكِ حتَّى يَتِمَّ انْطِفَائي

بعَيْنَيْنِ، مثلَ اتَّسَاع السَمَاءِ

إلى أَنْ أغيبَ وريداً وريداً

بأعماق مُنْجَدِلٍ كَسْتَنَائي

إلى أَنْ أُحِسَّ بأنَّكِ بَعْضي

وبعضُ ظُنوني وبعضُ دمائي

أُحِبُّكِ غَيْبُوبةً لا تُفيقُ

أنا عَطَشٌ يستحيلُ ارتوائي

أنا جَعْدَةٌ في مَطَاوي قميصٍ

عَرَفْتُ بنَفْضَاتِهِ كِبْريائي

أنا عَفْوَ عَيْنَيْكِ أنتِ كلانا

ربيعُ الربيعِ عَطَاءُ العَطَاءِ

أُحِبُّكِ لا تَسْأَلي أيَّ دعوى

جَرَحْتُ الشُمُوسَ أنا بادِّعائي

إذا ما أُحِبُّكِ نَفْسي أُحِبُّ

فنحنُ الغِنَاءُ ورَجْعُ الغِنَاءِ

سأقول لكِ أحبّكِ

سَأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”

حينَ تنتهي كلُّ لُغَاتِ العشق القديمَه

فلا يبقى للعُشَّاقِ شيءٌ يقولونَهُ أو يفعلونَهْ

عندئذ ستبدأ مُهِمَّتي

في تغيير حجارة هذا العالمْ

وفي تغيير هَنْدَسَتِهْ

شجرةً بعد شَجَرَهْ

وكوكباً بعد كوكبْ

وقصيدةً بعد قصيدَه

سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”

وتضيقُ المسافةُ بين عينيكِ وبين دفاتري

ويصبحُ الهواءُ الذي تتنفَّسينه يمرُّ برئتيَّ أنا

وتصبحُ اليدُ التي تضعينَها على مقعد السيّارة

هي يدي أنا

سأقولها، عندما أصبح قادراً

على استحضار طفولتي، وخُيُولي، وعَسَاكري،

ومراكبي الورقيَّهْ

واستعادةِ الزَمَن الأزرق معكِ على شواطيء بيروتْ

حين كنتِ ترتعشين كسمَكةٍ بين أصابعي

فأغطّيكِ، عندما تَنْعَسينْ

بشَرْشَفٍ من نُجُوم الصيفْ

سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”

وسنابلَ القمح حتى تنضجَ بحاجةٍ إليكِ

والينابيعَ حتى تتفجَّرْ

والحضارةَ حتى تتحضَّرْ

والعصافيرَ حتى تتعلَّمَ الطيرانْ

والفراشات حتى تتعلَّمَ الرَسْم

وأنا أمارسَ النُبُوَّهْ

بحاجةٍ إليكِ

سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”

عندما تسقط الحدودُ نهائياً بينكِ وبين القصيدَهْ

ويصبح النومُ على وَرَقة الكتابَهْ

ليسَ الأمرُ سَهْلاً كما تتصوَّرينْ

خارجَ إيقاعاتِ الشِّعرْ

ولا أن أدخلَ في حوارٍ مع جسدٍ لا أعرفُ أن أتهجَّاهْ

كَلِمَةً كَلِمَهْ

ومقطعاً مقطعاً

إنني لا أعاني من عُقْدَة المثقّفينْ

لكنَّ طبيعتي ترفضُ الأجسادَ التي لا تتكلَّمُ بذكاءْ

والعيونَ التي لا تطرحُ الأسئلَهْ

إن شَرْطَ الشهوَة عندي، مرتبطٌ بشَرْط الشِّعْرْ

فالمرأةُ قصيدةٌ أموتُ عندما أكتُبُها

وأموتُ عندما أنساها

حين أحبك

يتغيَّرُ حينَ أُحِبُّكِ شكلُ الكرة الأرضيَّهْ

تتلاقى طُرق العالم فوق يديْكِ وفوقَ يَدَيَّهْ

يتغيَّرُ ترتيبُ الأفلاكْ

تتكاثرُ في البحر الأسماكْ

ويسافرُ قَمَرٌ في دورتي الدَمَوِيَّهْ

يتغيَّرُ شَكْلي:

أُصبحُ شَجَراً، أُصبحُ مَطَراً

أُصبِحُ أسودَ، داخلَ عينٍ إسبانيَّهْ

تتكوَّنُ حينَ أُحبّكِ أَوديَةٌ وجبالْ

تزدادُ ولاداتُ الأطفالْ

تتشكَّلُ جُزرٌ في عينيكِ خرافيَّهْ

ويشاهدُ أهلُ الأرضِ كواكبَ لم تخطُرْ في بالْ

ويَزيدُ الرزق، يزيدُ العشقُ، تزيدُ الكُتُبُ الشِعريَّهْ

ويكونُ اللهُ سعيداً في حجْرَتِهِ القَمَريَّهْ

تتحضَّرُ حينَ أُحبّكِ آلافُ الكَلماتْ

تتشكَّلُ لغةٌ أخرى

مُدُنٌ أُخرى

أُمَمٌ أُخرى

تُسرِعُ أنفاسُ الساعاتْ

ترتاحُ حروفُ العَطْف وتَحْبَلُ تاءاتُ التأنيثِ

وينبتُ قمحٌ ما بين الصَفَحَاتْ

وتجيءُ طيورٌ من عينيكِ وتحملُ أخباراً عسليَّهْ

وتجيءُ قوافلُ من نهديكِ وتحملُ أعشاباً هنديَّهْ

يتساقطُ ثَمَرُ المانغو تشتعلُ الغاباتْ

وتَدُقُّ طُبُولٌ نُوبِيَّهْ