خطبة عن الحسد

الحسد داء عضال ومرض عظيم وخصلة ذميمة تفتك بالمجتمعات والأفراد والشعوب على حد سواء فالمجتمع الذي يسوده الحسد مجتمع منعدم من

التعاون

و

الإيمان

والحب ونجد هذا المرض الخطير بين العالم والعالم والعابد والعابد والطالب والطالب والتاجر والتاجر والطبيب والطبيب مما يوقع الخصام والنزاع والهجر والتباغض والنميمة والكثير من الأمراض الفتاكة التي تفتك بكيان المجتمعات .

خطبة الحسد

الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده صلّ الله عليه وسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

يعد الحسد من الأمراض القلبية العظيمة وهو مرض نفسي خطير وله أضراره السيئة على الحاسد في الدين والدنيا قبل أن يضر بالمحسود كما أن له آثاره الاجتماعية الخطيرة لأنه أداة إفساد وتخريب وتفريق ويشعل نار البغضاء ويرفع راية العداوة والبغضاء بين الأقرباء والأخوة والأصدقاء والجيران وغيرهم قال تعالى {  أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ }

سورة النساء

الآية 54

الحاسد ساخط على قضاء الله عزوجل وقدره وكاره لنعمة الله التي قسمها لعبادة ومبغض لعدل الله الذي أقامه في ملكه سبحانه وغاش لعباد الله المؤمنين ومشارك لإبليس في معصيته لربه حينما رفض السجود لسيدنا آدم عليه السلام قال تعالى { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }

سورة البقرة

الآية 34 . وهو في الوقت ذاته يسعى بين الناس بالغيبة والنميمة والشماتة عند المصيبة والفرحة عند نزول البلاء وهو يعيش في هم وقلق وغم وضيق صدر من النعم التي يعطيها الله تعالى لخلقه سواء كانت نعمة الأموال أو الصحة والأولاد والأهل أو الوظيفة والجاه وغيرها .

ولا شك أن الحاسد هو أشر عباد الله لأنه يعترض على الله عزوجل وحكمته وتقديره للأرزاق والنعم وهي من صفات الكفار من النصارى واليهود الذين حاولوا وما يزالون يحاولون صرف المسلمين عن دينهم ويتمنون لو ارتدوا عن إسلامهم قال تعالى {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} سورة البقرة الآية 217.

وكذلك من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويتمنون في نفوسهم الهلاك للدين وأهله ، قال تعالى { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

سورة آل عمران

الآية 120كما إن من أكبر العقبات التي تقف حائلًا كالجبال بين العبد وربه هي عقبه النفس وكان لزامًا على كل عاقل أن يتفحص نفسه باحثًا عن الآفات التي تفسد القلب فساد لا يرجى منه أي صلاح إلا بعد توفيق الله عزوجل .

كما أن الحسد داء ينهك الجسد والقلب وصاحبة ضجر إنه قرين الكفر وحليف الباطل وعدو الحق تتولد منه العداوة وبه تحصل القطيعة وتتفرق الجماعة وتتقطع الأرحام ويفرق الشمل وتتشتت الإلفة وتوغر الصدور وتفسد الضمائر ، وأشد إثما من معاصي الجوارح لما لها من تأثير سيئ على النسيج المجتمعي لأن علة الحسد سببها الأنانية المفرطة وحب الذات وضعف الإيمان بالله لأنه اعتراض على حكم الله في المنع والإعطاء وهو داء قديم وأقد ذنب عصى به الإنسان الله سبحانه وتعالى عندما حسد ابن سيدنا أدم أخاه على ما أتاه الله من فضله قال تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } سورة المائدة الآية 27.

وقد يكون نفس الحاسد طاقة مشعة مؤثرة تنطلق منه إذا اشتد حسده على الإنسان يؤثر على المحسود ضمن سنن الله في الكون فيصيبه بالعين وتؤثر في صلاته الاجتماعية كما تؤثر أسوأ التأثير في معاملته لمن يحسده حتى وإن أدى إلى ضرره أو قتله وقد يتعدى ضرره فيلحق المحيطين بالمحسود والملتفين به سواء أكانوا أقرباء أم أصدقاء أم أتباع ، وكثيرًا ما يتولد الحسد من

الحقد

النابع من الغضب فلا تهدأ نفس الحاسد الحاقد حتى ينتقم من المحسود ويدمره ويقضي عليه وبذلك يكون الحسد عامل هدم وأداة إفساد وتخريب وتفريق كما أن الحسود إنسان فقد الثقة في نفسه أو استشعر العجز عن تحقيق أماله وغاياته .

وقد أمرنا الله تعالى من الاستعاذة من شر الحاسد وشره كثير فمنه ما هو غير مكتسب وهو إصابة العين ومنه ما هو مكتسب كسعيه لتعطيل الخير عنه وتنقيصه وقال تعالى في سورة يوسف {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} ، ودلائل الحسد في السنة النبوية كثيرة فعن

أبي هريرة رضي الله

عنه أنه قال ، قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم ” إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .

وقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم ” لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ” وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ..