مظاهر الاختلاف بين الناس وأنواعها


مظاهر الاختلاف بين الناس


الاختلاف بين الناس هو سنة في هذه الحياة ، فمن غير الوارد إطلاقا أن يجد المرء تطابق بين الخلق تام ، في كل الجوانب ، بل إن الأمر يتعدى ذلك ليصل إلى اعتبار الاختلاف ضرورة من ضرورات الحياة والدنيا ، ذلك أن هذا الاختلاف هو نوع من أنواع التكامل جزء من الحكمة من

خلق الناس شُعُوبًا وقبائل

، ولا ينكر عاقل أنه لولا هذا الاختلاف بين البشر ، لكان كل شخص استغنى بنفسه عن الكون ومن فيه على الأقل من الناحية النفسية والروحية والعاطفية ، فما حاجة الفرد نسخة أخرى منه ، وما كان هناك عمار في الأرض ، ولا حياة تخلق التفاعل بين الجميع ، ومن مظاهر الاختلاف بين الناس مظاهر شكلية ومظاهر فكرية ، ومظاهر نوعية ، ولكل مظهر من هذه المظاهر في الاختلاف دور في حياة البشر ، ووظيفة ، و تنوع ، وتتضح تلك المظاهر بشكل أوسع في الأتي:


المظاهر النوعية للاختلاف بين الناس


من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى حين خلق أدم عليه السلام ، خلق من ضلعه حواء ، و جعلها له سكن ، فكيف تكون مختلفة عنه ، وتكون سكن له ، هذا يوضح بشكل عميق


أسباب الاختلاف بين الناس


، وأنها أسباب تكامل لا تنازع وتناحر ، وبذلك يكون من مظاهر الاختلاف النوعي بين الناس كونهم مخلوقين من جنسين ذكر و أنثى ، وهو ما يتناسب مع الفطرة والطبيعة ، وميل كل جنس للمختلف عنه و مدى توافق هذا الاختلاف مع فطرة الله للنفوس ، والتي تنفر من فكرة انجذاب طرف لطرف مثله في الجنس والنوع.


المظاهر الشكلية للاختلاف بين الناس


وتعد المظاهر الشكلية للاختلاف بين الناس مثلها مثل الاختلافات النوعية ، من المظاهر شديدة الوضوح بين الناس ، و تعد الإجابة على سؤال


لماذا خلق الله الناس مختلفين


هو ذاته توضيح للمظاهر الشكلية للاختلاف بين الناس ، ذلك لأنه وحسب أهل العلم في الشريعة الإسلامية أن البيان لذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم  أن الله حين خلق آدم عليه السلام، جمع التراب الذي خلقه منه ، و المعلوم أن أدم خلق من تراب و حواء من ضلع أدم أي أن أدم من تراب وحواء من لحم ودم .


جمع الله سبحانه وتعالى من كل تراب الأرض يخلق آدم فلم يقتصر في خلقه على بقعة واحدة في تلك الأرض ، بل شاء المولى سبحانه وتعالى، أن يجعل الناس بتلك الطريقة في الخلق لهم مختلفين ، كما هو تماماً اختلاف تربة الأرض.


فهي في مكان تربة خصبة وطينية وفي أخر صلبة صخرية ، هنا صفراء وهناك بنية ، تلك تنبت وتزهر وهذه لا روح فيها ولا تخرج ثمرة، وهكذا ، و بهذا التراب خلق منه البشر ، ولأن جميع البشر نسل أدم ، سوف يحدث هذا التنوع حتما.


هذا سيحمل صفات من شرق الأرض وطبيعتها ، وذاك يحمل من غربها ، ويتنوع الاختلاف هذا ، ما بين اللون ، واللغة ، والطباع ، والأخلاق ، وغيرها كما ورد ذلك في الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعرِي -رضي الله عنه- أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن الله تعالى خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأسود والأبيض والأصفر وبين ذلك والسهل والحزن و الخبيث والطيب} ، وهو أيضاً من

الحكمة من خلق الناس شُعُوبًا وقبائل

، فالاختلاف يجذب التعارف بين البشر ، والتنوع يخلق الاندماج، والتعارف. [1]


مظاهر اختلاف الناس الفكرية


يختلف الناس فيما بينهم اختلاف كبير في التفكير ، لا يكاد يتطابق شخصين على وجه الأرض في التفكير ، أكثر ما يمكن أن يحدث بين فردين في تفكيرهم هو تشابه في بعض الأفكار ، او التقاء في بعض الأفكار أو التفاهم على بعض الأفكار.


أما التطابق فهو محال ، وذلك الاختلاف يعد هو

دور الاختلاف في اثراء الفكر

، ولولا هذا الاختلاف في الفكر لكان عاش البشر في جمود فكري ، و افتقر العالم للثراء الفكري ، وأصبحت الحياة اتجاه واحد بلا طعم أو معنى يشعل التفكير ويؤسس للتنوع ، وينتج إبداع بشري في شتى المجالات.


ولولا مرونة هذا الاختلاف لما كانت ظهرت العلوم والفنون ، وكاد أن يصبح العالم جاف ، جامد لا روح فيه ولا إبداع، ولا هوية مختلفة لكل شخص ، تحددها الشخصية والأفكار والميول التي يعبر عنها في شتى المجالات ، ولا يمكن للعقل أن يتصور كيف كان الحال لو كان كل خلق الله من البشر متطابقين في التفكير.


أنواع الاختلاف بين الناس


ويعد الاختلاف بين الناس أمر بديهي ،  وهذا ما أكدته الآيات

ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة

، مما يعني أن الاختلاف أمر دنيوي متعارف عليه و هذا الاختلاف على ثلاثة أنواع وهي


اختلاف طبيعي


وهذا النوع من الاختلاف ، سببه عدم إلمام بالعلم أو بكافة المجالات وهو اختلاف مقبول لا يدخل تحت طائفة الاختلاف المكروه ولا تحت نوعية الاختلافات المندوحة ، هو اختلاف لا إشكال في طبيعته، وهذا الاختلاف الذي يقابل الناس ناتج عن طبيعة الشخص، وخبراته ، وحياته ، وعلمه، ومعلوماته ، ودينه ، وخلفيات التربية ، وكلها أمور تشكل هذا الاختلاف ، ومثال لذلك تلقي معلومة أو حدث ما تختلف ردود الأفعال تجاهه بحسب كل ما فات فلو رأى شخصان نفس الحادث ، سوف تختلف وجهة نظر كل منهم ، وحكمه على الحادث ، وتقديره للأسباب ، فربما يعتقد واحد أنه قدر ، سوف يرى الآخر أنه خطأ السائق ، وثالث ، خطأ حكومات في تخطيط الطريق ، ورابع قد يعتقد خطأ المصاب لعدم انتباهه، وخامس يرى كل تلك الأسباب مجتمعة ، لذا فهذا الاختلاف لا يصنف على كونه اختلاف جيد أو سئ ، هي كلها اختلافات وجهة نظر تجاه أمر معين.


اختلاف متطرف


وهذا النوع من الاختلاف المبغوض ، هو الذي يؤدي إلى التناحر ، والتقاتل ، والإيذاء، وهذا النوع من الاختلاف لا يقبل فرد فيه اختلاف غيره معه فيؤدي إلى التعصب ، والتناحر ، أبسط أشكاله التنازع والخصام ، والبغضاء بين النفوس ، وأوسطه المقاطعة ، والبعد بين الناس ، وشدته تتمثل في القتال والحرب ، والتفجير ، وإرهاب الناس بعضهم بعض ، ومثال ذلك قد يختلف شخصان في وجهة نظر تجاه حدث سياسي فيصل الخلاف لارتفاع الصوت ، وربما تشابك بالأيدي ، وقد يصل إلى التطاول اللفظي وقد يشتد للمقاطعة والابتعاد بين المحبين والاهل والاصحاب وزملاء العمل ، ثم قد يصل خلاف بين الناس ليصل لتفجير المخالف أو قتله بدون مسوغات دينية وقانونية ، لذا يعد هذا النوع من الاختلاف مبغوض لدى كل عاقل.


اختلاف تنافسي


وهو النوع الثالث من الاختلاف ويعد هذا النوع من الاختلاف هو أفضل الأنواع ، وأكثرها إيجابية إذا خلا من الحسد والبغضاء ، يكون الاختلاف هنا تنافس مقبول في تقديم كل فرد أفضل ما لديه ، على أن لا يكون الاختلاف بهدف الاختلاف فقط ، وأن يكون اختلاف مبني على أسس صحيحة وسليمة. [2]