هل الدين ظاهرة اجتماعية


نبذة عن نشأة الدين

يعد مطلب الألوهية مطلب توافرت عليه العديد من الفلسفات والنبوات، ودلائله البرهانية تتمثل في الأنفس وفي الآفاق، و بواعثه النفسية ترتكز في العقول وفي الوجدان: {فطرت

الله

التي فطر الناس عليها} (الروم:٣٠)، لكن هذا المطلب الوجودي الذي لا ينفصل عن الإنسان، يؤرق الملحد ولا يجد له في فلسفته المادية تحليلاً أو تفسيراً، فحينها يفترض أن نشأة الدين كانت من خلال نظرة الإنسان البدائي في صفحة الكون، وعدم معرفته سبب الظاهرة فيقوم بنسبتها إلى خالق غيبي.

وجدير بالذكر أن علاقة حدوث ظاهرة كونية يرتبط بظهور دين له مراسيمه وطقوسه والتزاماته الأولية، حيث أن استمرار أية ظاهرة كونية على نسق واحد يجعلها شئ مألوفاً، لا يجذب الأنظار ولا يحتاج معها إلى ذكر أسباب أيضاً، بل إننا لو استخدمنا هذا المقياس القاصر الاختزالي في تحليل الأمور، فإن العكس هو الذي يحدث دائماً، حيث أن باعث كافة الديانات هو روح العظمة وليس الإستسلام أو الجُبن أو الجهل.[1]


هل الدين بالفعل ظاهرةٌ اجتماعية

أجمع علماء الإجتماع أن الظاهرة الإجتماعية الحقيقية كما نراها في القوانين والقواعد الاقتصادية ذات وجود خارجي مستقل عن أفراد الجماعة، في حين أن الدين ظاهرة فرديّةٌ في المقام الأول، وأيضاً ظاهرة داخلية ذاتية مستقلة، فهي تأتي على العكس تماماً من الظاهرة الإجتماعية.

والحقيقة أن ما يقرره علماء تاريخ الأديان مثل لانج Lange و باسكال Pascal وشميث Schmitt بروس Bruce كوبرز Coopers وغيرهم، هو أن التوحيد وعبادة الله الواحد كانت سابقةً على التعدد وصناعة الآلهة الوثنية، وأن التحليل المادي للظاهرة الدينية هو تحليل أجوف، قاصر واختزالي، إلى أبعد الحدود، وأن الأديان هي التي سارت إلى الإنسان ونزلت إليه، ولم يسير أو يصعد هو إليها، وأن الناس لم يعرفوا ربهم بافتراض العقل البدائي فحسب، ولكن عن طريق الوحي.

كما قال شيخ

الإسلام

ابن تيمية

رحمه الله

” إن كل خيرٍ في الأرض فمن آثار النبوة”، وقال ابن

القيم

رحمه الله ” لولا النبوات لم يكن في

العالم

علم نافع البتة”، فالدين ضرورة عقلية فطرية وجدانية أولية روحية خالصة، لا يعرف ما هو الإنسان ولا قيمته.

يقول العالم البريطاني بنتام في الاجتماع والفلسفة والقانون: “يجب أن يكون سير الديانة موافقاً لمقتضى المنفعة؛ فالديانة بعدّها مؤثراً تتركب من عقاب وجزاء؛ فعقابها يجب أن يكون موجّهاً ضد الأعمال المضرّة بالهيئة الاجتماعية فقط. وجزاؤها يكون موقوفاً على الأعمال التي تنفعها فقط. هذه هي القاعدة الأولية، والطريقة الوحيدة، في حكم سير الديانة هو

النظر

إليها من جهة

الخبر

السياسي في الأمة فقط، وما عدا ذلك لا يلتفت إليه”.

ومما سبق نستنتج أن الدين المتعارف عليه عند الغربيين ليس أكثر من ظاهرة إنسانية، ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يتخذون الدين أداة تسخير لبلوغ رغباتهم وتحقيق أفكارهم، بالإضافة إلى تحقيق العديد من أهوائهم ونزواتهم، وجدير بالذكر أن الدين الإسلامي هو الدين الذي يعتنقه الغالبية العظمى من سكان البلاد العربية والإسلامية، ولكن هل هو ظاهرة إنسانية واجتماعية؟، ولمعرفة تلك الإجابة يجب النظر إلى عدة أمور، منها


المبحث الأول: تعريف الدين

هناك عدة تعريفات للدين كثيرة ومتنوعة في اللغة العربية، أهمها:

  • الجزاء والمكافأة والحساب: تقول: دنته بفعله ديناً أي جزيته، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾.
  • الذل والانقياد والطاعة والعبادة والخضوع: وهو أصل المعنى، وبهذا سميت الشريعة دينا، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾.
  • السياسة والملك: تقول دنته: أي سسته وملكته، ويدل على ذلك قول ابن منظور: (ومنه سمي المصر مدينة، والدَّيَّان: السائس).

وقد اختلف علماء الدين الإسلامي في تعريف الدين وتعددت الأقاويل، منها:

  • الدين هو التوحيد، قاله الفيروز آبادي.
  • الدين هو التسليم والاستسلام لله تعالى وحده وعبادته بما شرع على لسان أنبيائه من العقائد والأحكام والآداب وكل شؤون المعاش.
  • يعني التسليم لله والانقياد له، والدين هو ملة الإسلام عقيدة التوحيد التي هي دين جميع المرسلين من نسل سيدنا

    آدم

    ونوح عليهما

    السلام

    إلى خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.


المبحث الثاني: تعريف الظاهرة الاجتماعية

قام دور كايم زعيم المدرسة الاجتماعية

الفرنسية

بتعريف الظاهرة الاجتماعية بأنها كل ضرب من السلوك ثابتاً أو غير ثابت يمكن أن يباشر نوعاً من القهر الخارجي على الأفراد، أو هي عبارة عن سلوك ينتشر في كافة أنحاء المجتمع وكان ذا وجود خاص مستقل عن

الصور

التي يتشكل بها في الحالات الفردية.


المبحث الثالث: هل الدين ظاهرة اجتماعية ؟

أجمع بعض علماء الاجتماع إلى أن الدين ظاهرة اجتماعية في المقام الأول فالمجتمع من وجهة نظرهم عندما يتعرض لبعض الأزمات فإنه يحاول جاهداً في الخروج منها وإيجاد الحلول المختلفة وعندما تنجح طريقة معينة للخروج من الأزمة فإن المجتمع يقدس هذه الطريقة وتقدسها الأجيال المتعاقبة بعد ذلك.

وقد أجمع علماء الإجتماع أن الظاهرة الإجتماعية الحقيقية كما نراها في القوانين والقواعد الاقتصادية ذات وجود خارجي مستقل عن أفراد الجماعة، في حين أن الدين ظاهرة فرديّةٌ في المقام الأول، وأيضاً ظاهرة داخلية ذاتية مستقلة، فهي تأتي على العكس تماماً من الظاهرة الإجتماعية، والخلاصة مما سبق أن الدين المتعارف عليه عن الغربيين ليس أكثر من ظاهرة إنسانية.[2]


ما هي علاقة الدين بـ علم النفس وعلم الاجتماع

هناك عدة فروق تفصل بين علم الاجتماع وعلم النفس ويؤثر على دراسة العديد من الظواهر الاجتماعية، بما في ذلك الدين، حيث أن معظم الظواهر الدينية لها جوانب اجتماعية ونفسية، حيث مثلاً تمت دراسة الاهتداء والتحدث بألسنة بشكل مثمر من المنظور النفسي والمنظور الإجتماعي كلاً منهما على حده، ولكن يبدو من غير المحتمل أن يكون أي منهما وحده قادراً على تقديم تفسير مناسب لأي ظاهرة دينية على الرغم من وجود حجة قوية لعلم نفس الدين الذي لديه روابط أقوى مع علم اجتماع الدين، ولكن كلاهما مطلوب في تفسير وفهم


سيكولوجية الأديان


بشكل مناسب.[3]