بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية .. ماهو علم الصحة النفسية؟
يوافق الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية تاريخ العاشر من أكتوبر من كل عام، والذي يحتفل به العالم من أجل إحياء الوعي ببالصحة النفسية الذي لا يقل أهمية عن مجال الصحة الجسدية، حيث لا تقل الأمراض النفسية خطورة عن الأمراض العضوية.
وتعتبر الأمراض النفسية من الأمور التي يخجل منها العديد من الأشخاص في المنطقة العربية بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط ككل، ولا يعترف العديد بمرضهم النفسي خوفاً من نظرة المجتمع لهم على أنهم مرضى نفسيين.
اليوم العالمي للصحة النفسية
يتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية سعي من منظمة الصحة العالمية لتعريف العالم بأهمية الحفاظ على الصحة النفسية، والتأكيد على أهميتها خاصة أنها ترتبط بسلامة الإنسان خاصة في ظل الإحصائيات التي تؤكد وفاة شخص كل 40 ثانية بسبب الانتحار جراء مرض نفسي كالاكتئاب والتوحد والانعزال وغيرها من أمراض نفسية.
وتشير الإحصاءات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في عام 2002 إلا أنّ 154 مليون نسمة يعانون من الاكتئاب على الصعيد العالمي، علما بأنّ الاكتئاب ليس إلاّ أحد أنواع الأمراض النفسية. وكان أول الاحتفالات في عام 1992 بناء على مبادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية، وهي منظمة دولية للصحة النفسية مع أعضاء وشركاء في أكثر من 150 بلدا.
ما هو علم الصحة النفسية وما هي أهميته؟
في اليوم العالمي للصحة النفسية يجدر بنا أن نعرف علم الصحة النفسية، وهو ذلك العلم الذي يعني بوصول الإنسان إلى حالة من التوافق النفسي مع ذاته ومع الآخرين وقدرته على مواجهة الأزمات المختلفة بشكل إيجابي وتوفير الحلول لها مع الاستعمال الأمثل لطاقاته الكامنة وتوظيفها للوصول إلى حالة أكثر استقرارا وتكاملا.
ولعلم الصحة النفسية أهمية قصوى، ذلك أن الصحة النفسية مهمة جدا للفرد فهي من جهة تؤدي إلى تحقيق التوافق والانسجام والتكامل بين خصائص شخصية الفرد في جوانبها العقلية والانفعالية ،
وكذلك تساهم في استثمار طاقاته المختلفة على أتم وجه بما يحقق أهدافه في الحياة ويجعله يشعر بكيانه ووجوده فهي بذلك أساس لممارسة الإنسان لدوره في الحياة، فالطالب والمعلم والعامل والطبيب لا يمكن لكل منهم أداء دوره وفقا لما مطلوب منه وهو لا يتمتع بالصحة النفسية، كما تأتي أهمية الصحة النفسية في التأثير الذي تتركه في الصحة الجسمية للفرد، إذ إن التعرض للأزمات والضغوط النفسية قد يترتب عليه الإصابة بالعديد من الأمراض ذات المنشأ النفسي كالضغط والسكري وغيرها، كما يعد الاهتمام بها هدفا تربويا بحد ذاته لأهميته في تحقيق مختلف الأهداف التربوية.
ومن هنا كان لزاما على المعنيين والمهتمين بشؤون التربية والتعليم نشر مفاهيم الصحة النفسية وترسيخها في نفوس الطلبة والمدرسين بما يساعد في تحقيق التوافق والانسجام التام على المستويين الشخصي والاجتماعي .
ما الفرق بين الصحة النفسية والصحة العقلية؟
الفرق بين الصحة النفسية والعقلية كبير، وذلك على كل الجوانب، وأبرز هذه الاختلافات أن المريض النفسي يشعر بحالة أنه مسجون ولديه أزمة ولكن لا يستطيع حل المشكلة أما المريض العقلي لا يعرف أنه مريض أو يعاني من مشكلة ويتخيل أنه طبيعي. في حالة المرض النفسي تسيطر على الشخص حالة من الكآبة والحزن وعدم التأقلم مع الآخرين، ولكن لا يتطور للانتحار مثلا (إلا نادرا) أما حالة المرض العقلي فيزيد فيها الشعور بالإقدام على الانتحار خاصة مع زيادة وتطور مراحل المرض، كما أن المريض النفسي لا يشكل خطرا على من حوله على عكس المريض العقلي الذي يضر بالآخرين.
وفي مرحلة العلاج، ففي حالة المريض النفسي يتم استخدام العلاج المعرفي السلوكي ولا يُستخدم العلاج الدوائي إلا في حالات نادرة، أما في حالة المريض العقلي فيتم مباشرة إيداع المعني إلى المستشفى ويتلقى العلاج النفسي والدوائي.
ومن أبرز الاضطرابات النفسية: القلق والرهاب والهيستريا والوساوس والأفعال القهرية واضطرابات الشخصية والهوس. ومن أبرز الاضطرابات العقلية: الفصام والذهان وجنون العظمة بكل أنواعها.
أما بالنسبة للأعراض فكل اضطراب نفسي أو عقلي له أعراض منفردة ولكن هناك عوامل مشتركة فى الاضطرابات النفسية والعقلية.
ومن أعراض الاضطرابات النفسية: حالة من الكآبة، الصراع الداخلي، العزلة الاجتماعية، عدم التكيف مع المحيطين، عدم تقبل الذات،عدم تقبل الآخرين.
أما أعراض الاضطرابات العقلية فتبدو في : حالة من التشتت واختلاط في الكلام، مشاعر اضطهادية، ضلالات وهلاوس سمعية وبصرية، رغبة في الانتحار.
ما هي أهداف الصحة النفسية؟
تهدف الصحة النفسية للوصول للعديد من النتائج والأهداف يمكن إجمالها في فيما يلي:
- فهم الإنسان لنفسه ومشاعره وميوله والأزمات التي تعتريه والأمراض النفسية التي قد تصيبه.
- تبصيره بطرق العالج وترويض النفس.
- تساعد في فهم نفوس المجتمع الذي يحيط به وما يختلجهم من مشاعر أو أزمات نفسية.
- تحقيق التوافق لدى الشخص النفسي والاجتماعي والشعور بالسعادة مع النفس ومع الآخرين.
- تحقيق الذات لدى الإفراد واستغالل قدراتهم بالأسلوب الأفضل.
- تدريبهم على مواجهة الحياة ومصاعبها ومشاكلها.
- الأخذ بيد الإنسان للوصول إلى التكامل النفسي أي الشعور بالاطمئنان.
ما هي الفئات المستهدفة من الصحة النفسية؟
يستهدف علم الصحة النفسية فئات المجتمع كافة التي تعاني من اضطرابات نفسية، وعدم القدرة على التكيف زيادة على الأشخاص غير الأسوياء فلو سألتم أنفسكم ماذا سوف تنفعكم دراسة الصحة النفسية ،لكان الجواب أنها تنفعكم في ثالث محاور:
- الفئة الأولى: أنفسكم، أي أنها تساعدكم في معرفة أنفسكم وما يشوبها من أزمات وآفات وأمراض نفسية وكيفية عالجها فقد ورد في الحديث الشريف :”من عرف نفسه فقد عرف ربه”. فكم منكم يعاني من صراعات نفسية لا يعرف حلا لها .
- الفئة الثانية :المجتمع ،أن تساعدكم في معرفة المجتمع الذي حولكم من أهل وأصدقاء وأقرباء، وتفسير سلوكياتهم وانفعالاتهم وما يصدر عنهم وما يعانوه وكيفية مساعدتهم .
- الفئة الثالثة: الطلاب ،فالطلاب لهم مشاعر وميول وتطلعات وحاجات وتصيبهم صراعات وأمراض نفسية وعد تكيف ،وهذا يؤثر على نفسيتهم وأمزجتهم مما يؤثر على مستواهم الدراسي فمن الواجب عليكم أن تشخصوا ما يعانيه التلاميذ من هذه الأزمات ومحاولة عالجها أو التخفيف عنهم واستعمال الأساليب التربوية في التعامل معهم.
معايير الصحة النفسية
اختلفت وجهات النظر لدى العلماء المعنيين بدراسة علم النفس والسلوك في تحديد الشخصية السوية واللاسوية إذ تبنت كل مجموعة من المعايير وساد في الأوساط العلمية عدد منها مثل:
- المعيار الذاتي: ويعني أن كل مَنْ يخالفني في الرأي يعتبر شاذاً، وكل مَنْ يوافقني في الرأي يعتبر سوياً، وهو معيار ذاتي لا يمكن الوثوق في مصداقيته في الحكم على السلوك البشري.
- المعيار الاجتماعي: ويتخذ من مسايرة المعايير الاجتماعية أساساً للحكم على السلوك، سواء أكان سوياً أم غير سوي، فالسلوك السوي هو السلوك المتوافق مع قيم المجتمع وعاداته، أما غير السوي فهو الذي لا يتوافق مع تلك العادات والتقاليد الاجتماعية.
- المعيار الإحصائي: وهذا المعيار يتخذ المتوسط أو الشائع مقياساً يمثل الحالة السوية، وبذلك تكون اللاسوية هي الانحراف عن هذا المتوسط زيادة أو نقصاناً، وهذا المعيار لايفرق بين الشخص العبقري والشخص الذي يعاني من التخلف العقلي.
- المعيار المثالي: ويرى هذا المعيار أن الحالة السوية هي المثالية أو الكمال أو ما يقرب منه، واللاسوية هي الانحراف عن المثل الأعلى أو الكمال.
- المعيار النفسي الموضوعي: يوصف السلوك وفقاً لهذا المعيار بالوظيفة التي يؤديها ضمن وحدة الشخصية، إضافة إلى دلالته. فإذا كان السلوك ذا دلالة وظيفية ويعمل بتناسق وانسجام مع مكونات الشخصية أطلق عليه سلوكاً سوياً، أما إذا كانت وظيفته ودلالته لايحكمهما هذا الاتساق أطلق عليه السلوك الشاذ.
عوامل وأسباب الاضطرابات النفسية
ما هي عوامل الخطر في الصحة النفسية؟ حيث يُعتقد أن الاضطرابات النفسية تسببها مجموعة من العوامل تشمل:
- عوامل مرتبطة بمرض جسدي أو إصابة جسدية، حيث يمكن أن يكون ضعف الصحة النفسية سبباً ونتيجة لمرض جسدي مزمن أو إصابة بدنية دائمة.
- عوامل نمط الحياة، حيث اعتبرت بعض خيارات نمط الحياة كقلة النشاط البدني وسوء التغذية أو زيادة الوزن سبباً وراء حدوث اضطرابات نفسية.
- عوامل بيولوجية وتغيرات هرمونية، حيث يعتبر عدم التوازن الكيميائي في الدماغ ومستويات بعض الهرمونات التي تتحكم بالمشاعر والمزاج عاملاً مساعداً..
- عوامل وراثية (جينية)، كما في حالة أمراض أخرى كثيرة تتأثر بالعوامل الوراثية كمرض السكري وأمراض القلب، فإن وجود جينات معينة أو تاريخ عائلي مع المرض النفسي قد يزيد من مخاطر الإصابة باضطراب نفسي.
- عوامل نفسية، يبدو بعض الأشخاص أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بحالات نفسية. مثلا، الشخص الذي يقلق كثيراً، أو ثقته بنفسه ضعيفة، أو الذي ينشد الكمال أو الحساس تجاه النقد الشخصي، أو ينتقد ذاته، أو يتبع نهجاً سلبياً في الحياة يكون أكثر عرضة من غيره للتأثر.
- عوامل بيئية واجتماعية، يمكن أن يزيد التعرض للضغوطات البيئية والظروف من خطر ظهور اضطرابات نفسية:
- الفقر أو تدني الوضع الاجتماعي
- العزلة
- التمييز والتفرقة
- التكيف مع بيئة معيشية أو ثقافة جديدة
- ظروف العمل الغير آمنة
- العيش في بيئة ملوثة أو عدائية
- بيئة العمل المجهدة والمثبطة
- البيئة الأسرية أو العملية غير الداعمة
الصحية النفسية وجائحة كورونا
كان لجائحة كورونا أثر فادح على الصحة النفسية للناس. وفي الذكرة السنوية لليوم العالمي للصحة النفسية يتبين لنا أن بعض الفئات قد تضررت من ذلك بشكل خاص، بما يشمل العاملين في الرعاية الصحية وفي الخطوط الأمامية، والطلاب والأشخاص الذين يعيشون بمفردهم وأولئك المصابين بحالات صحية نفسية أصلا.
وفي الوقت ذاته تعطلت بشدة خدمات الصحة النفسية والعصبية وخدمات اضطرابات تعاطي مواد الإدمان. غير أن ثمة ما يدعو إلى التفاؤل.
فأثناء جمعية الصحة العالمية المعقودة في مايو 2021، أقرّت الحكومات من جميع أقطار العالم بالحاجة إلى الارتقاء بنوعية خدمات الصحة النفسية على جميع المستويات. وقد ابتكرت بعض البلدان بالفعل سبلا جديدة لتقديم رعاية الصحة النفسية لسكانها.