صلح الحديبية من أقدم المعاهدات في التاريخ



{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }[سورة الأحزاب]



نعرف المعاهدات و الإتفاقيات الدولية و نقول أنها من صنع الساسة في العصر الحديث و لكنها أبدا ليست كذلك فكانت المعاهدات و البيعات ضاربة في في قدم التاريخ فقد عقد الرسول صلّ الله علية و سلم معاهدات و إتفاقيات كثيرة نستعرض منها اليوم صلح الحديببة أقدم معاهدة في التاريخ الإسلامي .

رأي النبي صلّ الله علية وسلم رؤية أفرحته فجمع أصحابه لكي يقص عليهم هذه الرؤية رأي أنهم معهم وزار البيت الحرام و أخذ مفاتيحها و طافوا بالبيت و سعوا ثم حلقوا و قصروا ففرح الصحابة رضوان الله عليهم و كبروا لأنهم سيزرون البيت الحرام فلطالما إشتقوا إليه فأذن النبي صلّ الله عليه وسلم لهم أن يتجهزوا لذهاب لعمرة فتجهز الناس و إستعدوا و أمرهم ألا يأخذوا من السلاح إلا ما يأخذه الراكب و في الطريق جاءه الخبر صلّ الله علية وسلم أن الأحابيش يردون صد الرسول صلّ الله عليه وسلم عن البيت الحرام و لكنهم إنطلقوا كلا منهم يلبس ثياب الإحرام ملبين و متهليين يتوجهون لبيت الحرام و لكن كان في إنتظارهم خالد بن الوليد قبل إسلامه بمائتي فارس يريد أن يقطع عليهم الطريق و كان يتحين الفرصة لينقض عليهم و لكن الله تعالى أنزل أية الخوف لم يستطع أن يفعل شيئًا .


صلح الحديبية


الأحداث قبل الصلح :-


أسرع خالد بن الوليد إلى قريش يحذرهم أن الرسول صلّ الله عليه وسلم قد سلك طريقًا أخر غير الطريق المعتاد حتى وصلوا منطقة تسمى الحديبية فعسكر النبي صلّ الله عليه و سلم مع أصحابه المحرمين ، هنا بدأت الرسل تتوسط بين الفريقين فجاء رجل من خزاعة يسمى بدين بن ورقة ليقنع النبي صلّ الله عليه و سلم أن يرجع فقال رسول الله يا بدين تعلم أننا ما جئنا لنقاتل بل جئنا معتمرين و أن قريش أنهكتهم الحرب فإن شاءوا خلوا بيننا و بين الناس و إن شاءوا دخلوا فيما دخل فيه الناس فإن أبوا إلا الله فوالذي نفسي بيده لإقاتلنهم حتى تنسلف سالفتي أو لينفذن الله أمره فرجع إلى قريش يجبرهم بأمر رسول الله صلّ الله علية و سلم ، فأرسلوا رجلًا أخر ليتوسط بينهم و بين الرسول صلّ الله عليه وسلم و أرسلوا ثالث ورابع و لم يستطيعوا إقناع النبي صلّ الله عليه و سلم فأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي فجاء يقنع النبي صلّ الله عليه و سلم بالتراجع و قال لنبي صلّ الله عليه و سلم لا أحد يقاتل أهله ثم إنى لا أري إلا أوباشًا سوف يتركوك فغضب عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه غضب شديد و قال أنحن نفر عنه أنسيتم بدر ألا تذكرون أحد ماذا فعلنا.

فرجع إلى قريش فقال لهم يا معيشر قريش لقد دخلت على الملوك ما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمدِ محمدًا إنهم يتقاتلون على وضوئه إذا تكلم نفذوا أمره و إذا سمعوا صوته خفضوا أصواتهم ما رأيت أحدًا يعظم ملكه و سيده كما يعظم أصحاب محمد عليه الصلاة و السلام ثم عرض عروة على قريش الصلح .


شجرة سلم حدباء التي أتخذ وادي الحديبية منها إسمه الشهير


إرسال أول سفير لمفاوضة :-


لما علم شباب قريش الطائشون أن قريش سوف تصالح النبي صلّ الله عليه و سلم و أصحابه لم يرضوا بهذا و أخذهم الحماس و جمعوا فرقة من سبعين رجلًا من شباب قريش و تسللوا من وراء مكة ليقاتلوا النبي صلّ الله عليه و سلم و إستلمهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه الذي كان قائدًا لفرقة تحرس النبي صلّ الله عليه و سلم و أسرهم جميعًا و جاء بهم إلى النبي صلّ الله عليه وسلم و قرر الرسول صلّ الله عليه و سلم أن يرسل رسول من عنده إلى قريش هو عثمان بن عفان رضي الله عنه لأن له عشيرة في مكة تحميه ،


بداية أمر بيعة الرضوان  :-


فخرج و دخل إلى مكة فإستقبله كفار قريش فقال لهم أن رسول رسول الله صلّ الله عليه و سلم و قال لهم جئت أعرض عليكم صلحًا فجاء عثمان أحد المشركين فأجاره و أدخله إلى مكة وجلس عندهم عثمان رضي الله عنه يفاوضونه و طالت المدة بسبب طول المحادثات حتى أشيع بين الناس أن عثمان قتل فإذا بالنبي صلّ الله عليه وسلم يأمر الصحابة بالبيعة على القتال و كان عندهم شجرة سميت بعد هذا بشجرة الرضوان و كان النبي صلّ الله عليه وسلم تحتها فجاء الصحابة يبايعون رسول الله واحدًا واحدًا يبايعون الرسول صلّ الله عليه وسلم على الموت دونه فأنزل الله عزوجل


{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة }

(سورة الفتح 18)

و بعد البيعة جاء عثمان رضي الله عنه و أخبرهم بما جري بينه و بين قريش و انتظر الصحابة لأن قريش تريد الصلح .


بداية المفاوضات بين قريش و المسلمين :-


أرسلت قريش رجلًا لتفاوض فأرسلوا سهيل بن عمرو فلما رأوه النبي من بعيد قال هذا سهيل سهل لكم امركم و قال سهيل جئت أعرض لكم الصلح و قال لنبي صلّ الله عليه وسلم ما الصلح الذس تطلبون ؟


شروط قريش على النبي صلّ الله عليه وسلم :-


أولًا قال أن ترجعوا عامكم هذا فتأتوا في العام المقبل و لا تحملون من السلاح إلا ما يحمل سلاح الراكب ، ثانيًا من شاء أن يدخل في حلفكم دخل و من شاء أن يدخل في حلف قريش دخل ثالثًا أن تضع الحرب بيننا و بينكم عشرة سنين رابعًا من خرج من قريش هاربًا بعير إذن وليه إلى محمد رد إلى قريش و من خرج من محمد إلى قريش فإنه لا يرد ، و قبل النبي صلّ الله عليه وسلم لأنه أراد الصلح ، و جاء النبي صلّ الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب ليكتب كتابًا.

كتب سيدنا عليّ رضي الله عنه بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل أما الرحمن فإننا لا نعرفه فقال فكتب بإسمك اللهم فقال له النبي أكتب ، ثم كتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلّ الله عليه وسلم فكتبها علي فقال سهيل لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلنك و ما صادنك عن البيت الحرام بل أكتب محمد بن عبد الله فقال عليّ و لله لا أمحوها فقال النبي لعليّ أشر لي بها و محاها الرسول صلّ الله عليه و سلم بنفسه و هم يكتبون الكتاب جاء إلى النبي رجل هارب أسلم اسمه أبو جدل بن سهيل الذي يعقد الصلح فلما رأه أبو قال هذا أول ما أقاضيك عليه فقال له الرسول لم نقضي الكتاب بعد فقال إما أن ترد علي هذا و إلا لا صلح بيننا و بينك فحاول النبي صلّ الله عليه وسلم أن يقنه و لم يرضى و تم الصلح في شهر ذي القعدة في السنة السادسة لهجرة  شهر مارس سنة 628 هجرية ،و رجع سهيل و أخذ أبنه معه و قال النبي صلّ الله عليه وسلم لصحابة أحلقوا رؤسكم و إذبحوا هديكم لا عمرة هذه السنة فلما حلق الرسول رأسه حلق الصحابة كلهم و أحلوا من إحرامهم و لم يزورا البيت ذلك العام ..

نزل على الصحابة هم و غم من هذا الصلح الذي حسبوه ذل لهم لما رجع النبي  صلّ الله عليه وسلم و الصحابة إلى المدينة أنزل الله تعالى

{

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} سورة الفتح


تعديل شروط الإتفاقية:-


بعد ذلك جاء أبو بصير مسلمًا لرسول صلّ الله علية وسلم و لحقه اثنين من قريش ليأخده فذهب معهم و في الطريق قتل واحد منهم ورجع إلى الرسول صلّ الله عليه وسلم  و لكنه خرج حتى لا يحرج النبي مع قريش و لم يرجع إلى قريش بل ذهب إلى مكان بين مكة و المدينة و لحق بيه أبو جدل و كلما هرب أحد لحق بهم و كونوا فريق قطع الطريق على مكة فجاء من قريش وفدًا إلى الرسول صلّ الله عليه و سلم يترجون النبي أن يعدل هذا الشرط من المعاهدة فكانت بداية النصر .