شرح الحديث ” إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها “

عن

شداد بن أوس

رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر، وإني سألت ربي عز وجل لا يهلك أمتي بسنةٍ بعامة وأن لا يسلط عليهم عدوا فيهلكهم بعامة، وأن لا يلبسهم شيعاً، ولا يذيق بعضهم بأس بعضٍ، وقال: يا محمد: إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً ممن سواهم فيهلكوهم بعامة حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً وبعضهم يقتل بعضاً، وبعضهم يسبي بعضاً». [حديث صحيح]


شرح الحديث:


جاء الحديث بمجموعة من الأخبار العظيمة وفيه أن الله تعالى طوى الأرض وما عليها حتى جعل حجمها صغير فاستطاع رسول الله صل الله عليه وسلم رؤيت المشرق والمغرب في آن واحد، وعلم أن ملك أمته سوف يبلغ الأرض من مشارقها إلى مغاربها، وهو خبر عن المستقبل أوحى به الله إليه أن المسلمين سوف ينتصرون على مملكة

الفرس

في المشرق والروم وبلاد الأندلس في المغرب.

وقد من الله عليه وعلى أمته بالكنزين الأحمر والأبيض؛ فالكنز الأحمر وهو الذهب وهي الغنائم التي حصدها المسلمون من الفرس، والأبيض وهو الفضة وهي الغنائم التي حصل عليها المسلمون من الروم، والمراد عمومًا هو الغنائم التي من الله بها على المسلمين من الفتوحات الإسلامية، وهو ما تحقق بعد ذلك مصداقًا لما جاء به الرسول صل الله عليه وسلم .

ثم دعا رسول الله ربه أن لا تصيب أمته الجدب ولا القحط فتهلك أموالهم وزروعهم حتى لا يهلكوا جميعًا، ثم دعا لهم بأن لا يسلط عليهم الكفار أبدًا حتى لا يستبيح الكفار أموال المسلمين وأعراضهم، وهنا يخبره الله تعالى أن قضاءه وقدره واقع ولا راد له وأنه استجاب لدعوته بأن لا يصيبهم القحط عامة كما في الأمم السابقة، وإنما ينزل في بعض البلدان دون بعضهم.

كما يخبره الله تعالى أن الدعوة الثانية مستجابة ولكنها معلقة بشرط أن تجتمع الأمة على كلمة واحدة وهي كلمة الحق وأن لا يقتتلوا فيما بينهم، فإذا افترقوا وتحاربوا سلط الله عليهم الكفار معاقبةً لهم، وقد تحققت في خلافة

أبو بكر

وعمر رضي الله عنهما عندما اجتمعت كلمة المسلمين على الحق وكانوا على قلب رجل واحد، ولكن عندما حدثت الفتنة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وتفرق المسلمون وقُتل عثمان سلط الله على المسلمين أعدائهم وظهرت دعة الفتن والضلالة حتى يومنا هذا، فإذا كانت قدوة المسلمين وأئمتهم من أهل الضلالة ضلت الأمة جميعها، أما إذا كان أئمتها من دعاة الحق وأهله صَلُح حالها ونهضت وقادت الدنيا بفضل الله.


ما يستفاد من الحديث:


– إخبار الرسول عن الأمور في المستقبل دليل قوي على صدق رسالته.

– إشفاق الرسول صل الله عليه وسلم على أمته من القحط والجدب.

– دعاء الرسول لأمته بأن لا يسلط الله عليهم الكفار أبدًا.

– اجتماع المسلمين على كلمة الحق شرط لحفظ الأمة من غلبة الكفار عليهم.