مفهوم فساد ذات البين واسبابها

معنى فساد ذات البين

فساد ذات البين، هي الحالقة، وهي أمر مكروه في الدين الإسلامي، ويقصد بها القطيعة بين المسلمين، حيث إن المسلمين أخوة، والترابط أمر هام وضروري في الدين، إذ إنه أساس بناء المجتمع، ولاسيما أن مقاطعة المسلم لأخيه أمر يرضي الشيطان، ويغضب الله عز وجل[1].

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر” والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تسلموا ولا تسلموا حتى تحابوا، وأفشوا السلام تحابوا، وإياكم والبغضة فهي الحالقة، لا أقول لكم تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين”.

ويقصد بفساد ذات البين وفقاً لقول أبو عيسى في تفسير الحديث الشريف هي ” البغضاء والعداء، و

الحالقة

هي حلق الدين، وضياعه من النفوس والقلوب وفساد الحياة، حيث إن الدين الإسلامي الحنيف قائم على التكافل الاجتماعي، والمحبة والتسامح، والمبادئ الإنسانية السليمة، كما يدعوا لطهارة القلوب وحب الأخ لأخيه، وحب الجار لجاره، ففساد تلك العلاقات يزعزع الدين، ويغضب الله عز وجل[8].

إذ أن معنى فساد ذات البين، هو أن يعمل الشخص على مشاحنة الناس، ونشر الفساد، وقول الشر وما يعكر صفو العلاقات، ويضر النفس، فالشخص الذي يقول قال عنك فلان، ويقول كلام من شأنه يفسد الود ويزيد الحقد والكراهية، فذلك عمل الشيطان، وقال عن فساد العلاقات ونشر الشائعات بغرض الفتنة، والتفرقة بين الناس، وبين البلدان والقبائل والاخوان، فقد أساء للدين كله.

معنى إصلاح ذات البين


معنى إصلاح ذات البين

هو إصلاح الأمور بين المسلمين والعباد، ونشر المحبة، ودفع الظلم، وإزالة الحقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم” ألا أخبركم بأفضل درجة من الصيام والصلاة والصدقة، قالوا بلى، فقال الرسول، صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة”، ووقف الكثير عند هذا الحديث الشريف، كيف لصلاح ذات البين أن يكون أهم من النوافل العظيمة، التي هي من الأمور التي اكد عليها الرسول كثيراً، حيث إن المقصود بالصلاة والصوم هنا النوافل وليس الفروض التي هي أساس الدين[2][9].

كما يقول الله تعالى في كتابه العزيز “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” حيث يعتبر إصلاح ذات البين عبادة عظيمة، والله تعالى يحبق الذين يصلحوا بين إخوانهم، فهناك العديد من الآيات التي تحث على إصلاح ذات البين[3].

إلا أن إصلاح ذات البين له فوائد لا عد ولا حصر لها، فإن الفضيلة في المجتمع، والمحبة بين أبنائه أهم عند الله من تلك النوافل، حيث إن الدين الإسلامي دين عدل وإنصاف، والإصلاح بين الأخوة، يجعل الأشخاص اكثر عدل ومحبة، وأكثر عطاء وود[6].

رغم إن الدين الإسلامي يحرم الكذب، ويقول إن المسلم وإن سرق لا يكذب ابداً، والله تعالى لا يحب الكاذبين، إلا أن في حالة إصلاح ذات البين الكذب مباح لكي يصلح المرء بين إخوانه، ويوفق بينهم ويكبح النزاعات، ويلين القلوب، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيراً، أو يقول خير”.

يعمل إصلاح ذات البين إلى تجميع كلمة المسلمين والإخوان، وهناك مجموعة من مجالات إصلاح ذات البين وتتمثل في، وصل الأرحام، والإصلاح بين الأخان والأقارب، كما يشمل الإصلاح بين الأزواج، ومنع الطلاق بينهم، وهو الأمر الذي يفرح الشيطان، إذ يشرد الأطفال وتهان المرأة، ويبتعد رب الأسرة عن أبنائه، حقن الدماء بين أبناء القبلية الواحدة وبين المسلمين وبعضهم، الإصلاح بين الأبناء وآبائهم، والجيران وبعضهم، الصلح بين أبناء المهنة الواحدة، وبين الحي الواحد، والإصلاح بين الشركاء وأصحاب المصالح والشركات، والإصلاح على الطرق في حالة الحوادث المرورية، كما يشمل الإصلاح بين الورثة، ومساعدة الناس على رد الحقوق، وقول الحق وتلين القلوب.

أسباب فساد ذات البين

هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى القطيعة بين الأشخاص، وتتسبب في فساد العلاقات، وأهمها:

  • سوء الظن، والفتنة بين الاخوة والاقارب والجيران والأصدقاء، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم، يوصي المسلمين بعدم التجسس، وينهيهم عن سوء الظن، فيقول عليه أفضل الصلاة والسلام” إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تتحسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى ينكح أو يترك”، مما يوضح كيف ينهي الدين الحنيف عن سوء الظن، ومدى عواقبه، في القطيعة والكراهية والحقد والفساد.
  • الشائعات، والفتنة بين الناس، وعدم التيقن من الأخبار والمعلومات، يجعل الأشخاص يصدقوا ما يقوله الفاسقون، في حين أن الله تعالى نهى عن تصديق الفاسقون بقوله تعالى في كتابه العزيز” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”[4].
  • الله تعالى نهى عن قطع الرحم، كونه فساد وكراهية، وخلل للعلاقات الإنسانية السوية، فالمرء يشدد عضضه بأخيه وأقاربه، والمسلمون كلهم أخوة، ومتساوون، والله تعالى لا يحب المتشاحنين، فيقول الله تعالى، “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ  أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ”[10].
  • الحسد والحقد والمشاحنة، فالكثير من الأفراد يشعروا بالحقد والغيرة، ويحسدوا غيرهم، ويتشاحنوا مع إخوانهم، ويتصنعوا المشكلات، والله تعالى لا يغفر للمتشاحنين، حيث يقول الرسول أن الله يفتح أبواب الجنة يومي الأثنين والخميس، ولكن لا يدخلها متشاحنين[5].

الشيطان يحب تفرقة المسلمون، والذي يفسد ذات البين ما هو إلا مطيع للشيطان، وكل شخص يحب أن يرى الفساد ويرى العباد متفرقون، ويرى الناس في شر، فما هو إلا أثم وفاسد.

ما هي طرق إصلاح ذات البين

يمكن تتبع

طرق إصلاح ذات البين

، لنيل رضا الله وإتباع سنة رسول الله، في التأليف بين قلوب المؤمنين والحفاظ على الوحدة بين المؤمنين وجعل العائلة الواحدة كالرجل الواحد، كل منهم يحترم الأخر، كما أن جزاء صلاح ذات البين كبير[9]، فالجنة جزاء المتقين، كما أن لمن يتقي الله عيشة رغدة، فشتان بين من يصلح بين الناس وينشر السلام والود، وبين من ينشر الحقد والعداء والكراهية، وتتمثل طرق إصلاح ذات البين في[7]:

  • التقرب إلى الله تعالى، والعمل على تنفيذ أوامره.
  • النية الطيبة، تفسح المجال للشخص في المقدرة على الإصلاح بين الناس.
  • نقل الكلام الطيب، والانطباع الطيب.
  • ذكر الآيات والأحاديث الكثيرة التي تدل على مدى خطورة قطع الوصال، وهجر الأرحام، والمشاحنات، والخصام، فالله تعالى لا يحب أن يكون عباده قاطعين أرحامهم.
  • العزوف عن قول الكلام الجارح، وعدم نقل الكلام السيء.
  • الحث على البر، وعلى المبادئ الإسلامية، والعادات الحميدة.
  • محاولة تلين القلوب، ولو كذباً، بقول كلام من شانه أن يفسح مجالاً للصلح والمحبة.
  • تذكير نفسك دائماً بالثواب الكبير، ومدى أهمية إصلاح ذات البين، والعمل من اجل ابتغاء مرضاة الله عز وجل.
  • علاج المشكلات، والوقوف على أسبابها، وقول الحق، ورد المظالم، فالظلم أساس من أساسيات المشاحنة.
  • الاستشهاد بآيات الذكر الحكيم، في صلة الرحم، وحقوق الوالدين، وفي التقرب لله، وحق الميراث.
  • تذكير الأبناء بحقوق الوالدين، وحق الأخ الأكبر، وتذكير الجميع بآن الدنيا دار زوال، وليست باقية لأحد على الإطلاق.