نشأة علوم التربية ومراحل تطورها

تعريف علوم التربية

لقد تعددت تعاريف علوم التربية من قبل المختصين حسب اختلاف مجال بحوثهم بالإضافة إلى اختصاصاتهم العلمية، وهنا سنتطرق إلى بعض تعاريف الباحثين والعلماء في علوم التربية والتي تتجلى في:

  • قال “ميالاري” في علوم التربية فيقول: “تتكون علوم التربية من مجموعة الاختصاصات التي تدرس ظروف تواجد الوضعيات والوقائع

    التربوي

    ة واشتغالها وتطورها”.
  • أما أحمد شبشوب فقد عرف علوم التربية بأنها: ” مجموع العلوم التي تدرس الظاهرة التربوية من أبعادها المتنوعة، وتتخذ منهجية العلوم الإنسانية كطريقة في البحث”.

مراحل تطور علوم التربية

إن النواة الأولى لمصطلح علوم التربية قد نشأت في أوروبا عام 1812م، وتم ذلك عندما نشر الباحث الفرنسي كتابة الذي يُعرف باسم”أساس الطريقة البيداغوجية لدي بيستالوزي”، أما في سنة 1816م فقد قدَّم نفس الباحث الفرنسي شرحاً مفصلاً للمصطلح الجديد في معرض كان جُل حديثه عن التربية المقارنة، وقد ظهر كتاب كان عنوانه “علوم التربية” من توقيع الباحث ألكسندر باين.

وقد تمت ترجمته إلى اللغة

الفرنسية

عام 1879م، أما في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي قامت كلية الآداب الفرنسية في تنظيم دروس تكميلية تختص بعلوم التربية والبيداغوجيا تحت إشراف أول أستاذ لمادة علم التربية في

فرنسا

واسمه هنري ماريون، فقد قام هنري على تسليط الضوء على الدور الهام الذي تلعبه فلسفة التربية وعلاقته في مجال

التعليم

، لأنها تفتح المجال للباحثين لوضع المقارنات الدقيقة، والتي تكون حول منظومات تربية خاصة.

أما في عام 1902 قد تم تعيين إيميلي درخم بجامعة السوربون حتى يقدم المقاربة السوسيولوجية للفعل التربوي، واعتبر أن الممارسة الاجتماعية تعمل على

تحديد

موضوع التربية، وبعض

النظر

عن المعاني التي تتجلى وراء مصطلح “علوم التربية”من تحديدات ومواصفات، فنجد أن البدايات الفعلية لنشأة هذا المفهوم كانت مرتبطة بالرغبة في أن يتم إعادة النظر في طرق التكوين البيداغوجي بالإضافة إلى الطرق المهنية للأساتذة الذين يعملون في الحقل التربوي، وعند وفاة درخم تراجعت دروس علوم التربية في الجامعات الفرنسية وخاصة بعد الحرب

العالم

ية الأولى.

أما بعد الحرب العالمية الثانية قد قامت شرعية علوم التربية بالانتشار وقويت بعدما أقر النظام التعليمي في فرنسا أنه سيخلق شهادة الإجازة في شعبة البسيكوبيداغوجيا، ومع ازدياد الحاجة لتطوير أداء المؤسسات التعليمية والتربوية فكانت نتائج هذا الازدياد بزيادة الاقبال على دراسة هذا المجال في الجامعات الأوروبية.[2]

نشأة علوم التربية

في المنتصف القرن التاسع عشر قد تطورت الحركة العلمية، واتجهت العلوم الإنسانية إلى أن تقوم بتأسيس موضوعها بالإضافة إلى تحديد منهجها في البحث والدراسة، وإن التربية حظيت بأهمية كبيرة، فقد ظهرت البدايات الأولى في تسميتها بعلم التربية والذي كان يهدف إلى تحقيق الاتزان والضبط العلميين، وقد اقتنع الدارسين لهذا العلم على أن الظاهرة التربوية خصوبتها في تشعب أطرافها، فهي واسعة ولا يستطيع علم واحد أن يحصرها.

ومن هنا أصبحت الحاجة الملحة إليها، وهي قادرة على أن تغطي مجموع المكونات التربوية في أبعاد مختلفة، فقد تم تجاوز التعامل مع التربية بالمفرد، وقد ضم هذا العلم الحقول المعرفية التي تهتم بالأبعاد الظاهرة التربوية، بالإضافة إلى الشروط التي يتم ممارستها بها، واليوم يُطلق عليه باسم “علوم التربية”.

وقد تطور علم التربية نتيجة لتوسع مجال التربية، بالإضافة إلى اربتاطها في العديد من المجالات الحياتية، وقد تطور بتطور مختلف العلوم الذي يرتبط بها والتي تتجلى في علم اجتماع التربية وعلم النفس التربوي بالإضافة إلى علم النفس التعليمي وأيضاً اقتصاديات التربية وغيرها، وإن من عوامل نشأة علوم التربية تتجلى في:

  • بسبب النظرة المتغيرة للتربية والتي تطورت نتيجة تطور المجتمعات، بالإضافة إلى تطور طبيعة

    الحياة

    بها، لهذا فقد غدت أهداف التربية ووظائفها مختلفة عن ما كانت عليه سابقاً، نتيجة ظهور أشكال وأبعاد مستحدثة للتربية.
  • إن التربية خضعت لتقلبات عديدة عبر

    التاريخ

    فقد بدأت رحلتها التاريخية كفكرة فلسفية، وهذه الفكرة تتجلى بتأملات الفلاسفة وطموحاتهم التي كانت تهدف إلى تغيير العالم عن طريق الأفكار التي ينسجونها والنظريات التي يفترضونها.
  • انتقلت التربية نتيجة فعل قانون الحركة الحاكم للحياة إلى فعل منهجي، واعتبرت أنها ثمرة تفاعل الجهد البشري، وهذا الجهد ممثلاً بالعقل والحواس مع الواقع حتى يصل إلى مجال واسع فيه العديد من العلوم، حيث أن الجهود كلها تجتمع في خدمة هدف واحد ويتجلى في تحقيق النموذج التربوي للفرد الذي يكون مؤهلاً لتحقيق معاني ومقتضيات الوجود في الحياة.[3]

علاقة علوم التربية بالعلوم الأخرى

إن علوم التربية ترتبط بالعلوم الأخرى وسنوضح ما هي علاقتها مع كل علم على حدة وهي كالتالي:


-علاقة التربية بالفلسفة

ذهب

المؤلف

جايمس روس في الأسس العامة للنظريات التربوية وقد أشار إلى أن هناك علاقة ما بين التربية والفلسفة، حيث أنه اعتبرهما وجهان لعملة واحدة، فعلى سبيل المثال إذا أردنا أن ندرس التربية عند الصينيين أو عند اليونانيين فيجب أولاً أن نتعرف على فلسفة كونفوشيوس في التربية الصينية، ولا يمكننا التعرف على التربية الإسلامية من دون التطرق والتعرف إلى القرآن الكريم، حيث أن التربية تقوم على رافدين اثنين ويتجليان في:

  • الأساس العقلاني.
  • الأساس الشرعي والوحي، وبعدها يتم الاعتماد على الشرع.

وإن علاقة التربية بالفلسفة لا تعني أنهما وجهان لعملة واحدة، وتتجلى الفروقات بينهما في:

  • إن الفلسفة دائماً تنطلق من

    الشك

    والنسبية، أما التربية فهي تعتمد على اليقين في انطلاقها وتنشأ عن نطاقه.
  • تتسلم الفلسفة معالجة الإنسان المطلق، أما التربية فهي تعالج الإنسان في أي زمان ومكان.
  • من الممكن أن تلتزم التربية بالتربية نفسها، ومن الممكن أن لا يتم الالتزام بها.
  • إن التربية من الممكن أن تكون ملتزمة بالديانات، فهي ليست فلسفة بحد ذاتها.


-علاقة التربية بعلم النفس


السؤال

المطروح هنا ما هي علاقة التربية بعلم النفس، فيمكننا القول أن مجال اللقاء ما بين التربية وبين علم النفس هو الميدان، حيث أن علم النفس يصب في دراسة الخبرة النفسية، وهو ما تطلبه من دوافع متعددة حتى تتحول كسلوك ثم نزوع فعادة فشخصية، لكن التربية فنجدها أنها تحاول أن تعني بالإنسان من حيث فطرته النفسية الجسمية حتى يتكيف مع المحيط الطبيعي والاجتماعي، وإن الإنسان لا يستطيع التكيف إلا عن طريق المساعدة الموضوعية البيئية التي يتم تقديمها عن طريق الراشدين لتشجيعه وتطوير قدراته العقلية والحركية، فالتربية تهتم بكل هذه الجوانب لأنها تُعِد الإنسان حتى تصبح له القدرة على المساهمة في الجهد الإنساني وفي بناء الحضارة.

وقد واكب الاهتمام بالتربية التطور في مجال علم النفس التربوي، حيث أن هذا العلم التربوي بهتم بالفرد وبالمواقف التربوية، لهذا نجد أن علماء النفس التربويين قد اهتموا اهتماماً كبيراً في المشكلات التربوية كالتعلم والدافعية والتحصيل

الدراسي

وغيرها، وإن علم النفس التربوي يعتبر فرع من فروع علم النفس، فهو يصب اهتمامه في تطبيق المبادئ التي نص عليها علم النفس ونظرياته، بالإضافة إلى مناهج البحث الخاصة به في مجالات متعددة كمجال التربية بالإضافة إلى مجال التعليم والتدريس والتدريب، ويهدف الفرع إلى رفع الكفاية العملية التربوية وأن يجعلها ناجحة وأقل تكلفة.


-علاقة التربية بعلم الإنسان والانتروبولوجيا

والعلاقة بين هذين العلمين وثيقة جداً حيث أن التربية تعمل على الحفاظ على الميراث وتبسطه وتنقله للأجيال القادمة، بالإضافة إلى أنها تعلم هذه الأجيال على التكيف مع الثقافة، ونجد أيضاً أن الانتروبولوجيا تعمل على دراسة سمات الحياة من الجانب الاجتماعي، وأن تعرف طبيعتها ومكونها لأنها تهدف إلى إعادة بناء تاريخ المجتمعات أو أن تُعيد بناء الحضارات، مع العمل على تحديد معالم التركيب التاريخي والحضاري لثقافة ما.[1]