فضل التغافل عن الإساءة

التغافل في الإسلام

التغافل في اللغة العربية هو التظاهر بالغفلة، وتعمد إظهارها أي الظهور بالسهو قلة التيقظ، بمعنى أن هذا الشخص ليس مغفل ولكنه يتغافل، والتغافل يعرف بأنه يترفع عن الدنايا وصغار الأمور والهفوات التي لا تغير الحقائق ولا تبدد الحقوق ولا تقلل من الكرامة ولا تنكر معروف ولا تؤصل لباطل، فالتغافل شكل من أشكال الصفح والعفو، إذ أن الدين

الإسلام

ي الحنيف دعا دعوة صريحة للعفو عن الناس، إذ يقول

الله

تعالى في كتابه العزيز”فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.

يقول الله تعالى ف كتابه العزيز”وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ، فالصفح والعفو أحد أشكال التغافل عن الإساءة، حيث لا يجوز للمؤمن أن يقوا على أخيه المسلم ولا يظلمه ولا يقلل منه، فالتغافل قيمة عظيمة بها ذكاء ولطف لحفظ الود.

فضل التغافل

كل إنسان مخير فيما يمر به، إما يتغافل عنه ليبقي صحته وعافيته، ويبقي الود مع من حوله، إما ينفعل ويقسوا ويغضب ويقاطع، ويرهق أعصابه إذ في كثير من الأحيان لا يكون الأمر لا يستحق كل ذلك القهر ولا الانفعال فالحياة بسيطة تحتاج لمن يفهم كيف يعيشها وكيف يتعامل مع من حوله، لأن البشر بطبيعتهم خطائين ولديهم مزيد من الزلات، لذا يجب أن يتعلم الإنسان الصفح والعفو والتغافل، ويعرف فضل التغافل في الدين والذي يتمثل في[3][5]:

  • التغافل دلالة على كرم الخلق ورفعة الأشخاص، حيث إن التغافل من فعل الكرام.
  • يقول الإمام الشافعي الكيس العاقل هو الفطن المتغافل، بمعنى أن الفطنة في التغافل.
  • واجب على المسلم أن يتغافل عن لات أخيه، فيقول الحسن رضي الله عنه” ما استقصى كريم قط قال الله تعالى عرف بعضه وأعرض عن بعض”.
  • التغافل دلالة على مروءة الإنسان وشهامته وخلقه الرفيع، فيقول عمرو المكي” من المروءة التغافل عن زلل الإخوان.
  • الصفح أمر ألهي والعفو قيمة كبيرة إذ يقول الله تعالى في سورة المائدة”فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.
  • التغافل يبقى الود بين الناس ويجعل الشخص كريم بين قومه، حيث لا ذكاء ولا عدل في الوقوف عن كل هفوة ولا زلة يمر بها الشخص، إذ أن التغافل يرفع

    القدر

    فيقول جعفر رحمة الله “عظموا قدركم بالتغافل”.
  • الله يحب كل هين لين، فمن تغافل عن الإساءة يكرمه الله ويسعده ويعوضه ويغفر له ذنوبه، فالله يحب عباده المحسنين.
  • من يتغافل تروق له

    الحياة

    ، فيقول الإمام علي رضي الله عنه “من لم يتغافل تنغصت عيشته”.
  • التغافل عفو وعافية وحياة ودين، إذ

    ورد

    في كتب السلف”عن أبي بكر بن أبي الدنيا أن محمد بن عبد الله الخزاعي قال، سمعت عثمان بن زائدة يقول، العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل، قال فحدثت به أحمد بن حنبل فقال “العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل”.
  • التغافل ذكاء فليس الغبي بسيد قومه، لكن سيد قومه المتغابي[1].
  • التغافل واجب على كل إنسان وفضله عظيم فلا يحق للأشخاص

    تتبع

    عورات أخيه ولا زلاته، إذ يجب التغافل قليلاً حتى لا يشعر المرء بانه قد فضح أو تعرى أمام الناس، لقول رسول الله”

    من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتب الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته”[2].

  • التغافل من صفات أهل

    الجنة

    الذين يمشوا في الأرض بالصلاح والحب والود، ولا يأذوا أحد ولا يرهقوا الناس ويتجاوزوا عن الإساءة.
  • التغافل دلالة على حسن إسلام المرء لقول الإمام ابن

    القيم

    رحمة الله عليه”من قواعد الشرع والحكمة أيضاً أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يُحتمل له ما لا يُحتمل من غيره، ويُعفى عنه ما لا يُعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث؛ بخلاف

    الماء

    القليل فإنه يحمل أدنى الخبث”.
  • من يعفوا عن الناس يعفوا الله عز وجل عنه لقوله الكريم في كتابه العزيز”وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ”.
  • العفو عن المسيء فضله عظيم، إذ يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة آل عمران آية 133″وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”[4].
  • التغافل فضله يظهر في الدنيا والأخرة، ففي الدنيا يحترم الناس من تغافل عن زلاتهم ويعرفوا أنه كريم الطبائع، ويمتد ستر الله العظيم له في الدنيا والأخرة ففي الأخرة يرزقه الله جنة يكرم فيها بفضل

    الإحسان

    لمن أساء.
  • يغفر الله تعالى لمن يغفر لعباده، غذ يقول ابن القيم”قال ابن القيم

    رحمه الله

    ” يا ابن آدم، إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها لك الله، فإذا أحببت أن يغفرها لك، فاغفر أنت لعباده، وإن وأحببت أن يعفوها عنك، فاعف أنت عن عباده، فإنما الجزاء من جنس العمل.. تعفو هنا يعفو هناك، تنتقم هنا ينتقم هناك”.
  • قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه “العقل ثلثه فطنة، وثلثاه تغافل”.

فوائد التغافل

التغافل زينة العقل وراحة القلب، فكل المتغافلين أشخاص أذكياء لديهم فطنة كبيرة وحكمة، ودائماً كان التغافل نصيحة العلماء والأئمة، فتتمثل فائدة التغافل في:

  • التغافل هو العافية، حيث يقول الغمام أحمد بن حنبل إمام الحنابلة رحمة الله عليه” تسعة أعشار الخلق في التغافل”.
  • التغافل يكرم المرء ويزيده قدر عند الناس، حيث يقول الحسن البصري رحمة الله عليه” ما زال التغافل من فعل الكرام”.
  • التغافل يحفظ العلاقات ويبقى الود، فلو وقف كل إنسان عند كل زلة لأخيه ما بقي ود بين أحد.
  • التجاهل فن من فنون تجاوز المشاكل، فمن استطاع أن يتغافل عن الكثير من الكلمات ومن الأفعال فحينها حقاً يجتاز مزيداً من المشاكل، إذ يقول الكاتب جبران خليل جبران” إذا تعلمت التجاهل فقد اجتزت نصف مشاكل الحياة”.
  • في التغافل الصحة والعافية وكسب النفس إذ يقول مالكوم إكس”إذا لم تتقن التجاهل ستخسر الكثير أولهم عافيتك”.
  • التغافل دهاء وذكاء، فالتغافل عكس الغفلة، إذ يقول جورج ماكدونالد”التجاهل وقت الغضب ذكاء، والتجاهل وقت المصاعب إصرار، والتجاهل وقت النصيحة البناءة غرور، فانتبه متى تتجاهل”.
  • التغافل يطفئ الشر بين الناس، حيث يقول الأعمش رحمة الله عليه”التغافل يطف شراً كثيراً” فالتغافل يطفئ الشرور والحروب بين الناس ويجعل الجميع يشعر بالراحة والسعادة والحب.
  • التغافل يجعل الحياة تروق للجميع” لقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب”من لم يتغافل تنغصت عيشته”.

مواقف عن التغافل

الدين الإسلامي دين مكارم الأخلاق والمحبة، فكل من دخل الإسلام قلبه بصدق أعطى الناس جميعاً درس عظيم في الخلق الرفيع، ومن أعظم المواقف التي وردت عن المسلمين والأئمة في التغافل المواقف الأتية:

دخل عمر بن عبد العزيز المسجد في ليلة مظلمة، فمر برجل نائم فعثر به فرفع

الرجل

رأسه وقال أمجنون أنت؟، ولكنه لا يعرف أعرف أنه أمير المؤمنين فقال عمر، لا فهم به الحرس، فأوقفهم عمر قائلاً مه، إنما سألني أمجنون، وقلت له لا.

قيل أن صديقا حدث له ما يغضبه من ابن السماك فقال له” الميعاد بيني وبينك غدًا نتعاتب، فرد عليه ابن السماك رحمه الله تعالى بأبلغ جواب قال: بل بيني وبينك غدًا نتغافر.

قال أبو علي الدقاق النيسابوري رحمه الله جاءت امرأة فسألت حاتم الأصم عن مسألة، وأثناء

السؤال

صدر منها صوت خجلت منه قال حاتم، ارفعي صوتك، فأوهمها أنه أصم، فسرت المرأة بذلك، وقالت إنه لم يسمع الصوت فلقب بحاتم الأصم، وهو ليس بأصمّ، بل تظاهر بأنه ضعيف السمع، مما أوحى للمرأة بأنه أصم، مراعاة لمشاعرها، ولأجل أن لا يوقعها في الحرج.

يقول

ابن الأثير

رحمه الله متحدثًا عن

صلاح الدين

الأيوبي”وكان صبورًا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره، ولا يُعلمه بذلك، ولا يتغير عليه “.

أسمع رجل أبا الدرداء رضي الله عنه كلاما، فقال ” يا هذا، لا تغرقن في سبنا، ودع للصلح موضعا، فإنا لا نكافئ من عصى اللهَ فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه “