مقالة عن الصدق

الإنسان بأخلاقه بين الخير والشر

جاء دين الإسلام داعمًا لفطرة الإنسان ومُعينًا له وساعيًا للتخلّص من كل وساوس الشر والإثم التي تحاول السقوط به، ودافعًا له للاستقامة مع الحق والثّبات على كافة مبادئ الخير والفضيلة؛ ذلك لأنّ الإنسان فيه فطرةٌ طيّبة تسعى إلى الخير وتسعد به، وتبتعد عن الشر وتَحزن من ارتكابه، وترى صحّة مسيرها في الحق ومع الحق، وفيه أيضًا -إلى جانب ذلك- نزعاتٌ شريرة طائشة، ووساوس تُزيّن له فعل ما يعود عليه بالضّرر والخسران، ومصير هذا الإنسان في حياته متعلّقٌ بالجهة التي يستسلم لها ويسير معها، فإمّا مع طريق الخير أو مع طريق الشر -وهو في نزاعٍ بينهما-.

إنّ توجيه سلوك الإنسان وتهذيبه لا يأتي بالقسر والإكراه؛ فالحرية الشخصيّة والنفسية أساس المسؤولية، والإسلام يحترم هذه القضيّة ويقدّرها خلال رحلته في بناء صرح الأخلاق، فيركّز على إزالة الأثقال وتحطيم كلّ قيد يحط بالإنسان وقيمته، ويُعلي من شأن كلّ ما يرفع هذا الإنسان ويسمو به، فالأخلاق أصلٌ ومنبعٌ في هذا الدين، وهي ليست مادّة ترف وكمال، كما أنّها دليل على قوة الإيمان وضعفه؛ لأنها بقوتها تدفع صاحبها دومًا للمكرمات، وتعصمه عن السَّفَه والدنايا، فيستقيم سلوكه، وكل ذلك من مُقتضيات الإيمان الذي يستقرّ في القلوب.

الصدق

هو القول بالحق والعمل به، وهو فضيلة من فضائل الإسلام العظيمة، وقرينُ الإخلاص، ونبعٌ من الحق الذي لا تجد فيه العِوَج، به تنجح الأمم في أداء رسالتها وبناء ثروتها، وتقديم حضارتها بأعمال صادقة تسبق بها غيرها، والصدق ضدّ الكذب والافتراء، الذي هو رذيلةٌ تنشأ عن فسادٍ متغلغلٍ في نفس صاحبها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصّدق، فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقًا. وإيَّاكم والكذِبَ، فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ، وما يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا) [صحيح]؛ فالصّدق في الأقوال يؤدّي بصاحبه إلى صدقٍ في الأعمال، فتراه دومًا حريصًا على التزام الحق فيما يقول ويفعل، متمسّكًا به، فهو دعامةٌ أساسيّة وركيزة في خلق المسلم، وهو ممّا يعود على صاحبه بالصلاح في كل أحواله، أمّا الكذب فيجرّ صاحبه إلى كذبٍ أكبر منه ثم إلى فجور وإدمان، وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لما فيه من تزويرٍ وخطرٍ على الفرد والمجتمع.

أوجه الصدق في حياة المسلم

  • تنشئة الأطفال وغرس فضيلة الصدق في نفوسهم: ليألفوها في كل أحوالهم وأوقاتهم حين الشباب والمشيب؛ وفي هذا الباب يعلّم النبي صلى الله عليه وسلم الآباء والأمهات ألّا يتهاونوا في مسألة الصدق ولو كان ذلك في توافه الأمور؛ فمثلًا لا يجوز لأحدهم أن يَعِد طفله بشيء ثم لا يفي به وإن كان هينًا.
  • الترويح عن النفس والمزاح: لم يرضَ الإسلام وسيلةً للمزاح إلا في حدود الصدق والحق بعيدًا عن الكذب واللهو ودون إطلاق العَنان للخيال في تلفيق النكات والأضاحيك والسخرية من الآخرين.
  • مدح الناس: فيَحذر المسلم من تضخيم المحامد فذلك مَدرجةٌ إلى الكذب، فلا يبالغ في الإطراء، إنّما يذكر ما يعلم فيهم من الخير دون زيادة وتَملّق.
  • التجارة والمعاملات: فيحرِص التّاجر المسلم على بيان سلعته وعرض ثمنها بصدق دون لغوٍ ومراءٍ واستغلالٍ لحاجات الناس.
  • الشهادة: فلا يشهد المسلم إلا بحق، وينبغي عليه ألا يخاف في الله لومة لائم، بل يصدح دومًا بقول الحق وإقرار الحقيقة.