تطور الطفل الرضيع

مرحلة الرضاعة

تُعرف الفترةُ الممتدّةُ من ولادة الجنين حتى نهاية عامه الثاني بمرحلة الرضاعة، وهي إحدى مراحل نموّ الإنسان. تُمثل مرحلة الرضاعة أساس البناء والتكوين الذي ينشأ فيه الجَنين؛ حيث تبدأ في المراحل المتقدّمة من هذه المرحلة تكوينات الطفل الشخصيّة وخصائصه الذاتية، ويبقى فهم الطفل وإدراكه قاصراً عن استيعاب استقلاله الجسدي والسيكولوجي عن أمّه، حيث يُبنى فهمه على ظن الارتباط التام بوالدته، فلا يستوعب ذهنه ابتعاده عنها ويبدي لذلك الأمر خوفاً واضطراباً، الأمر الذي يُعيق فعليّاً بناء شخصية الطفل في بدايات هذه المرحلة.[١]

تُعدّ مرحلة الرضاعة حالة انتقال عصيب على الطفل؛ إذ يعتمد الطفل على والدته في كل أموره اعتماداً كاملاً، وتَتشكّل في الأسابيع الأولى من مرحلة الرضاعة روابط نفسيّةٍ وشخصيّةٍ تُنشئ ذات الطفل وتَوازنه؛ إذ يختزن الطّفل مشاعر العطف والحنان خلال هذه المرحلة ليَبني بها شخصيّته الفردية المتطورة عند المراهقة، فتتجذّر صورة الأنا الخاصة بالطفل نتيجة تفاعل الأم السلبي والإيجابي معه خلال فترة رضاعته، وتساعد هذه البدايات على تكوين الطفل العاطفي والنفسي والعقلي والاجتماعي.[٢]

تطور الطفل الرضيع

إنّ مرحلة الرّضاعة هي مرحلة البناء المطّرد والانطلاق المستمر في نمو الجسم والشعور والشخصية، إذ تظهر بشكلٍ سريع تَغيّرات تطوريّة على جسم الطفل واستجاباته وانفعالاته وإدراكه، ويُبدي فيها تآزراً وتآلفاً بين الحركة والحس والسيطرة، إذ تتطوّر فعلياً قدرته على الإشارة، واللعب، والحبو، والمشي، ويكتسب الطفل في هذه المرحلة قدراتٍ ومَهاراتٍ مختلفة كاللغة والتعبير، وتُبنى شخصية الطفل وذاته بناءً على تكويناته الانفعالية والشخصية والعاطفية، وما يرافق ذلك من تداخلات اجتماعية واحتكاك بالعالم الخارجي أو البيئة الأسرية، وتُختتم هذه المرحلة بحالة الفطام المُحدّدة لاحتياج الطفل ومتطلّباته، لينتقل بذلك إلى مراحل تطورية أخرى تسهم في تنشئته، ويمكن إبراز جوانب النمو والتطور للطفل الرضيع من خلال ما يأتي:[٣]

النمو الجسمي والفسيولوجي

تظهر أسنان الطفل في الشهر السادس من عمره ضمن مجموعتين، لبنية مؤقتة وعددها عشرون سناً، وتظهرُ أولاً، واثنتان وثلاثون دائمة تظهر في مراحل أخرى بعد مرحلة الرضاعة، يُرافق ذلك ازديادٌ مطّرد في طول الطفل ووزنه وفي حجم عضلاته التي تتضاعف حجماً وتشتدُّ، فيما تزداد العضلات في عددها وحجمها، وتنمو غضاريف الهيكل العظمي لتُناسب نمو العظام.

فسيولوجيّاً؛ يتطوّر نموّ الجهاز العصبي للطفل تطوّراً سريعاً ومُميّزاً، فيزداد وزن المخ وحجمه، وتتمايز أجزاء الجهاز العصبي الأخرى وتُصبح أكثر تعقيداً، يزداد التحام الخلايا العصبية بالعضلات شيئا فشيئاً، الأمر الذي يُبرّر سرعة اعتماد الطفل على نفسه وتطوّر حركاته الإرادية، فيما يَزداد حجم الجهاز التنفّسي، وتصبح الرئتان أكثر اتساعاً، ويتكامل عمل جهاز الإخراج ليضبط الطفل سيطرته على التبرز ثم التبوّل لينتقل جزئياً من الحالة اللاإرادية إلى السيطرة الإرادية.

النمو الحسي

تتمثل استجابات الطفل الحسية في بداية مرحلة الرضاعة في الاستجابة العشوائية لبيئته الداخليّة الخاصة والمؤثّرات الحركيّة المُحيطة به، ثم تتطوّر هذه الاستجابات لتبني خبراتٍ حسيّة ذات معنى، وتنتج سلوكات هادفة اجتماعيّاً وحيوياً، ويَتمايز الإدراك البصري وحساسيته لمستوى المثيرات شيئاً فشيئاً، وتنمو كفاية الرضيع البصريّة ليُحقّق تحسّناً ملحوظاً في تركيز بصره، ويُوازن بين ما تقع عليه عينه وما تصل إليه يده عند الشهر الخامس من عمره، ثم إذا بلغ الشهر التاسع من عمره فإنَّ كفايته تزدادُ ليصبح أقدر على تمييز الأجسام الصغيرة والتقاطها، ويدرك بعض الأبعاد ويُميّز العمقَ بصورةٍ أساسية.

تظهر حاسة السمع في تمييز الطفل للأصوات المُتباينة عندَ الشّهر الرابع من عمره، وتَحديد مصدر هذه الأصوات وتمييز تَناغمها والاستمتاع بإيقاعاتها عند الشهر الخامس، ويُميّز الطفل الروائح شيئاً فشيئاً ليُعبّر عن ارتياحه للروائح أو انزعاجها منها عبر حركاتٍ عشوائية تُمثّل استجابة الطفل بالابتعاد أو الاقتراب، كما يُميّز الطفل بين المذاقات المختلفة لِيُقبل على الحلو وينفر من المر، ويستطيع بوضوح تمييز الطعم الحامض، ويبدو إحساسه اللمسي مُميّزاً باستشعاره البارد من الأجسام والساخن منها، كما يُمارس سلوكات الضغط والتفحّص على الأجسام التي تصل إليها يداه.

النمو الحركي

تظهر حركات الطفل الرضيع وسلوكاته على هيئة أفعالٍ انعكاسيّةٍ ناتجةٍ عن الاستجابة العشوائيّة للمُثيرات الخاصّة ببيئته الخاصّة أو المُحيطة، ويُستدلّ على مِثلِ هذه الأنماط من الحركات بردود الطّفل المُباشرة عند لمس كفِّه مثلاً؛ إذ يَستجيب الطّفل عادةً بالإمساك أو القبض على ما لامس كفَّه كسلوك انعكاسي، يُشبه ذلك أيضاً ردَّة فعله المُتمثّلة بإغلاق جَفنيه عند مُحاولة لمس عينه أو تَعريضه لضوءٍ ساطع، ثم تبدأ حركاتُ الطفل بالتخصُّص والتطوّر تبعاً لنموِّه الجسديّ والفسيولوجي، ويتطوّر النمو الحركي للطفل بنمو عضلاته وتطورها، إذ يبدأ الطفل في مرحلة الرضاعة مُستلقياً على ظَهره عاجزاً عن القيام والجلوس وتنظيم استجاباته وحركاته، ويرجع ذلك لعدم اكتمال نمو جهازه العصبي من جهة، وضعف هيكله العظمي الذي ينمو بسرعةٍ من جهة أخرى، ثم لا يلبث الطفل أن يتقدّم في هذه المرحلة شيئاً يسيراً حتى تبدأ القدرات الحركية بالتمايز والظهور، يبدو ذلك ملحوظاً في قدرته على رفعِ أجزاء من جسمه أثناء رضاعته، وامتلاكه القدرة على تحريك أطرافه حركةً إرادية أولاً بأوَّل.

تتكوّن القُدرةُ الحركيّةُ الإراديّةُ في الجلوس عند الشهر الخامس من عمر الرضيع، ثم سرعان ما تنمو هذه المظاهر وتتطوّر في الشهور المتقدمة ليحبو الطفل على أطرافه ثم يتمرَّن على الوقوف والمشي تلقائياً، ليُصبح مُستقلاً في مشيه عند الشهر الخامس عشر من عمره تقريباً.[٤]

المراجع

  1. “مرحلة الرضاعة”، مجلة طبيب دوت كوم.
  2. مريم سليم (2002)، علم نفس النمو، بيروت-لبنان: دار النهضة العربية، صفحة 130-133.
  3. حامد زهران (1986)، علم نفس النمو-الطفولة والمراهقة، مصر: دار المعارف، صفحة 122-140.
  4. سعاد قصيبات (2007)، علم نفس النمو- الطفولة والمراهقة (الطبعة الرابعة)، مصر: دار مصراته للكتاب، صفحة 34.