تعريف الشلل الفيدرالي (الإغلاق الحكومي) في الولايات المتحدة

يُعد “الشلل الفيدرالي” (Government Shutdown) أو “الإغلاق الحكومي” ظاهرة فريدة في النظام السياسي الأمريكي، وهو يمثل التوقف القسري والمؤقت لجميع العمليات والأنشطة الحكومية الفيدرالية “غير الضرورية”، ويحدث هذا التوقف كنتيجة مباشرة لعدم نجاح الكونغرس والرئيس في التوافق على وتمرير تشريع التمويل اللازم (قوانين الاعتمادات السنوية) للوكالات الفيدرالية قبل بدء السنة المالية الجديدة في الأول من أكتوبر، أو قبل انتهاء صلاحية أي قرار تمويل مؤقت سابق.
الجذور القانونية: القانون المضاد للنقص
إن الأساس القانوني الذي يحتم الإغلاق الحكومي هو “القانون المضاد للنقص” (Antideficiency Act)، الذي سُن في الأصل عام 1884 وعُدل لاحقاً. وينص هذا القانون بشكل أساسي على أنه لا يجوز لأي وكالة فيدرالية الإنفاق أو الالتزام بأي أموال ما لم يكن قد تم تخصيص هذا التمويل صراحة من قبل الكونغرس.
بمجرد انقضاء الموعد النهائي للتمويل (منتصف ليل 30 سبتمبر) دون إقرار قانون الاعتمادات، يصبح لدى الوكالات الفيدرالية نقص في التمويل. وبموجب القانون المضاد للنقص، يجب على الوكالات في هذه الحالة إيقاف جميع الأنشطة والوظائف التي لا تنضوي تحت “الاستثناءات” التي يحددها القانون، ويشمل ذلك:
1. الأنشطة الاستثنائية (Excepted Activities): هي تلك التي يتم تفويضها بموجب قانون صريح آخر (مثل دفع فوائد الدين أو مدفوعات الضمان الاجتماعي)، أو تلك التي تتطلبها الضرورة القصوى لحماية الأرواح البشرية أو الممتلكات الوطنية.
2. الأنشطة غير المستثناة (Non-Excepted Activities): هي جميع الوظائف الأخرى التي يجب أن تتوقف فوراً.
الأسباب السياسية: معركة الميزانية
يأتي الإغلاق الحكومي دائماً نتيجة لمأزق سياسي حول الميزانية بين الفرع التشريعي (الكونغرس، بشقيه: مجلس النواب ومجلس الشيوخ) والفرع التنفيذي (الرئيس). يتمحور الخلاف غالباً حول عدة قضايا:
• مشاريع القوانين السنوية: يفشل الكونغرس في تمرير قوانين الاعتمادات الـ 12 المطلوبة لتمويل الوكالات المختلفة.
• الخلافات الحزبية: يتخذ الإغلاق أداة ضغط سياسي، حيث يطالب أحد الحزبين (الديمقراطي أو الجمهوري) بإدراج بنود سياسية معينة أو حذف أخرى (مثل تمويل الرعاية الصحية، أو الأمن الحدودي، أو مستويات الإنفاق العامة) مقابل الموافقة على الميزانية.
• قرارات التمويل المؤقتة: يلجأ الكونغرس في العادة إلى تمرير “قرارات استمرار” (Continuing Resolutions – CRs) وهي قوانين تمويل قصيرة الأجل (لأيام أو أسابيع) للحفاظ على عمل الحكومة، لكن الفشل في التوافق حتى على هذه الحلول المؤقتة يؤدي إلى الإغلاق.
التأثيرات المباشرة على الخدمات والموظفين
يُقسم تأثير الشلل الفيدرالي على العمليات الحكومية والموظفين إلى فئتين رئيسيتين:
1. الموظفون “غير المستثنون” (Non-Excepted Employees):
يتم وضع هؤلاء الموظفين في “إجازة قسرية” (Furlough)، أي يُطلب منهم التوقف عن العمل وترك مكاتبهم حتى إقرار التمويل. وهم لا يتقاضون رواتبهم خلال فترة الإغلاق.
الخدمات المتوقفة تشمل:
• الوكالات التنظيمية: تتوقف أو تتباطأ عمليات التفتيش البيئي والغذائي غير الضرورية والتحقيقات غير العاجلة.
• المتنزهات والمتاحف: تُغلق المتنزهات الوطنية والمتاحف والمعالم الفيدرالية التابعة لمؤسسة سميثسونيان.
• الخدمات العامة: تتوقف معالجة طلبات جوازات السفر والتأشيرات وقروض الأعمال الصغيرة والمنح الفيدرالية الجديدة.
• البيانات الاقتصادية: قد يتم تأجيل نشر تقارير اقتصادية حيوية، مثل تقارير الوظائف والتضخم، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق.
2. الموظفون “المستثنون” (Excepted Employees):
يجب على هؤلاء الموظفين الاستمرار في العمل دون دفع أجورهم في الوقت المحدد. بمجرد انتهاء الإغلاق، يقر الكونغرس عادة قانوناً ينص على دفع رواتب بأثر رجعي لجميع الموظفين (المجازين والعاملين)، لكن عدم الحصول على الأجر في موعده يمثل ضغطاً مالياً كبيراً على مئات الآلاف من العائلات.
الخدمات المستمرة تشمل:
• الأمن والدفاع: تستمر عمليات الجيش وإنفاذ القانون الفيدرالي (مكتب التحقيقات الفيدرالي، الجمارك وحماية الحدود، حرس الحدود)، ومراقبة الحركة الجوية، وعمليات وكالات الاستخبارات.
• البرامج الإلزامية: تستمر المدفوعات الإلزامية (Mandatory Spending) مثل الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية (Medicare)، وبرامج المحاربين القدامى، حيث يتم تمويلها خارج عملية الاعتمادات السنوية.
• الخدمات البريدية: يستمر عمل هيئة البريد الأمريكية (US Postal Service) لأنها ممولة ذاتياً.
التأثيرات الاقتصادية
للشلل الفيدرالي عواقب اقتصادية ملموسة، تتناسب طرداً مع مدة الإغلاق:
• تراجع الناتج المحلي الإجمالي (GDP): تقدر التحليلات الاقتصادية أن كل أسبوع من الإغلاق يقلل من نمو الناتج المحلي الإجمالي الفصلي بنسبة معينة (تتراوح التقديرات حول 0.1% – 0.2%).
• اضطراب الأسواق: تزيد حالة عدم اليقين السياسي من تقلبات الأسواق المالية وتؤثر سلباً على ثقة المستهلكين والأعمال.
• خسائر دائمة: الإغلاقات الطويلة الأمد تؤدي إلى خسائر دائمة في الإنتاج الاقتصادي لا يمكن تعويضها بالكامل، بالإضافة إلى تراكم الأعمال المتأخرة في الوكالات الحكومية.
سوابق تاريخية
أصبح الإغلاق الحكومي أداة متكررة للضغط السياسي منذ ثمانينيات القرن الماضي. ومن أبرز الإغلاقات في التاريخ الحديث:
• إغلاق 1995-1996: استمر لمدة 21 يوماً في عهد الرئيس بيل كلينتون.
• إغلاق 2013: استمر 16 يوماً في عهد الرئيس باراك أوباما بسبب خلاف على تمويل قانون الرعاية الصحية (أوباما كير).
• إغلاق 2018-2019: يُعد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، حيث استمر 35 يوماً في عهد الرئيس دونالد ترامب، وكان سببه الرئيس الخلاف على تمويل الجدار الحدودي.
باختصار، يمثل الشلل الفيدرالي في الولايات المتحدة حالة من الفشل الدستوري والسياسي، يجبر الحكومة على الدخول في وضع الطوارئ المالي والإداري، مما يعطل الحياة العامة ويُعرض مئات الآلاف من الموظفين للخطر المالي المباشر.