إما ألم فبعد فرط تجنب – الشاعر البحتري

إمّا ألَمَّ، فبعَدَ فَرْطِ تَجَنُّبِ،

أوْ آبَهُ هَمٌّ، فمِنْ مُتَأوِّبِ

هَجَرَ المَنَازِلَ بُرْهَةً حتى انبرَتْ

تَثْني عَزِيمَتَهُ مَنَازِلُ زَيْنَبِ

وَهْوَ الخَليُّ، وإنْ أعِيرَ صَبَابَةً

حتّى يُطَالعَ مَشرِقاً من مَغرِبِ

إنّ الفِرَاقَ جَلاَ لَنَا عَنْ غَادَةٍ

بَيْضَاءَ، تَجلو عن شَتِيتٍ أشنَبِ

ألَوتْ بمَوْعِدِها القديم وآيَسَت

منه بِلَيّ بَنَانَةٍ لَمْ تُخضَبِ

وَأرَتْ عُهُودَ الغَانِيَاتِ صَبَابَتي

آلاً جَرَى وَوَمِيض بَرْقٍ خُلَّبِ

فعَلاَمَ فَيضُ مَدامعٍ تَدِقُ الجَوَى،

وَعَذابُ قَلبٍ بالحِسانِ مُعَذَّبِ

وَسُهَادُ عَينٍ مَا يَزَالُ يَرُوقُها

أجيادُ سِرْبٍ، أوْ نَوَاظِرُ رَبرَبِ

جَزَتِ البَخيلَ وَقد عَثَرْتُ بمنعِهِ

صَفحاً وَقُلتُ رَميّةٌ لمْ تُكْثِبِ

وعَذَرْتُ سَيْفي في نُبُوّ غِرَارِهِ،

أنّى ضرَبتُ فلَمْ أقعْ بالمَضْرِبِ

كَمْ مَشْرِقِيٍّ قَدْ نَقَلتُ نَوَالَهُ،

فَجَعَلْتُهُ لي عُدّةً بالمَغرِبِ

وأحَبُّ آفَاقِ البِلادِ، إلى الفَتَى،

أرْضٌ يَنَالُ بهَا كَرِيمَ المَطْلِب

وَلَدَى بَنِي يَزْدَاد حَيثُ لَقيتُهُمْ

كَرَمٌ كَغَاديَة السّحابِ الصّيّبِ

فإذا لَقَيتُهُمُ فمَوْكِبُ أنْجُمٍ

زُهْرٍ، وَعَبدُ الله بَدرُ المَوْكِبِ

قاسِي الضّمِيرِ على التّلادِ، كأنّما

يَغْدُو على تَفرِيقِ مَالٍ مُذْنِبِ

حَاطَ الخِلاَفَةَ ناصراً وَمُدَبّراً،

بوَفاءِ مُجْتَهِدٍ، وَعَزْمِ مُجَرّبِ

وَلَوْ أنّهُمْ نَدَبُوهُ للأُخْرَى، إذاً

دُفعَ اللّوَاءُ إلى الشّجَاعِ المِحرَبِ

أفْديكَ مِنْ عَتْبِ الصّديقِ، وإنّه

لأشَدُّ مِن كَيدِ العَدُوّ المُجلِبِ

لاقَيتُ جُودَكَ بالسّماعِ، ودونَنا

شُغْلُ المَهَارِي مِنْ فَضَاءٍ سبسبِ

وَرَأيْتُ بِشرَكَ والتّنَائِفُ دونَهُ،

واللّيلُ يكشِفُ غَيهَبَاً عن غَيهَبِ

وَتَبَسّماتِكَ للعَطَاءِ، كأنّها

زهرُ الربيعِ خلالَ رَوْضٍ مُعشِبِ

هل أنت مُبلِغُني التي أغدو لها

بمُقَلِّصِ السّرْبَالِ أحمرَ مُذهَبِ

لَوْ يُوقَدُ المِصْبَاحُ منهُ لَسَامَحَتْ

بضِيَائِهِ شِيَةٌ كضوء الكَوْكَبِ

إمّا أغَرُّ تَشُقُّ غُرّتُهُ الدّجَى،

أوْ أرْثَمٌ كالضّاحِكِ المُستَغرِبِ

مُتَقَارِبُ الأقْطَارِ، يَملأُ حُسنُهُ

لَحَظاتِ عَينِ النّاظِرِ المُتَعَجِّبِ

وأُجِلُّ سَيْبُكَ أنْ تكونَ قَناعتي

منهُ بأشقَرَ ساطِعٍ، أو أشهَبِ

وإذا التَقَى شِعرِي وَجودُكَ يَسّرا نـ

ـّيْلَ الجَزِيلَ، وَثَنّيا بالمَرْكَبِ