أفضل قصائد ابن الرومي

الشاعر المتميز ” ابن الرومي” هو علي ابن العباس بن جريح الرومي من شعراء القرن الثالث الهجري في العصر العباسي، اعتبر من أكبر الشعراء في هذا العصر حتى كان من طبقة بشار والمتنبي، تنوعت قصائده بين المدح والفخر والهجاء والرثاء حيث أبدع في كل غرض من أغراض الشعر، وقد عاش حياة بائسة قد تركت آثارها على قصائده، وقد تميز شعره بصدق الإحساس والبعد عن المراءة والتلفيق، فاستطاع أن يشارك المستمع آلامه بدون ملل، كما كان من أقدر الشعراء على الوصف وأبلغهم في الهجاء، لذلك فإن قصائده مزيج من الحركة والتشخيص والوصف بالإضافة إلى اهتمامه بالموسيقى والقافية، ومن هنا فإننا نعرض أفضل قصائد ابن الرومي التي قد أبدع فيها.


قصيدة رعاية ُ حقِّنا حقٌ عليْكا

رعاية ُ حقِّنا حقٌ عليْكا

لما نعتدُّ من مَيْلٍ إليكا

ونَصْرُك باسِطُ النُّعمى علينا

نهاية ُ ما نُؤَمِّلُهُ لديكا

فدُونَك من مَوَدَّتِهِ نصيباً

رِغيباً قد ملأتَ به يديكا

أبا العباسِ لا تُغْلَبْ عليه

فقد أضْحَى ولم يُغْلَبْ عليكا

متى راعيتَه من جانبيه

رعاك بعينه من جانبيكا

ولم تعدم به سيفاً ودرعاً

كهمّك عُدَّة ً في حالتيكا

ومثلك لا يُدَل على رشادٍ

كفاك بلمحة ٍ من ناظريكا

أبا العباس قد أسديت فعلاً

وصلتَ به إخاء مُؤاخِيَيْكا

وفيه فرصة ٌ لك فانتهزْها

فإن اللَّه يكبتُ حاسديكا


قصيدة لشنطفَ كعثبٌ خلق


لشنطفَ كعثبٌ خلق

تَشْعَبُ جوفَه طُرُقُ

مَريحٌ منتنِأبداً

على جَنباته لثقُ

كمثل البحر يُخشَى في

ه هول المَدِّ والغرقُ

يسيل لعابُه أبداً وتأكل

بطنَه الحُرقُ

كقدر لا يزال يسي

ل من أثقابها المرقُ

تخوض فياشِلُ الأوغا

د لجَّته وتخترق

كثيرُ الضحك فالشفتا

ن منه ليس تنطبق

تعوَّد ذاك خُلقاً فه

و طول الدهر مُنفلق

لها إبطٌ كريح الميْ

تِ منه الرشح والعرق

تقول لمن تُصابره

مكانَك ليس نفترق

وأشهى من أغانيها

إليَّ النارُ والفلق

وأحمى من أحاديثٍ

تُحدِّثنا بها الدَّمقُ

قُصَيِّرة حُقَيِّرة

ٌ قليلٌ قدرُها شفَقُ

تملٍّقنا وليس يطي

بُ منها ذلكَ المَلقُ

وتدعونا إلى بثق

بشرِّ الماء يَنبثق

فيأخذنا لذاك الزَّم

عُ والإشفاق والفَرق

وتَظهُر عِفَّه وتمي

ل نحو فتى شَبق

كأن الرأس منها لم

يركَّب تحته عُنق

وتخضب رأسها والوج

هُ يشهد أنها خَلق

وليس لطيبها عَبَقٌ

ولكن نَتْنُها عبق

لقد كَمُلت مقابحُها

فلا خَلق ولا خُلق


قصيدة أصبحتَ عاديتَ للصبا رشدكْ


أصبحتَ عاديتَ للصبا رشدكْ

جهلاً وأسلمتَ للهوى قَوَدكْ

حتى متى لا تُفيقُ من سِنَة ٍ

ولا يداوي مفنِّدٌ فندكْ

تُعملُ في صيدِ كل صائدة ٍ

ختلكَ طوراً وتارة طَرَدكْ

نرمي التي إنْ أصابَ ظاهرها

سهْمُك شكَّتْ بحدِّه كبدَكْ

يا صاحبَ اللومِ هبْ لذي شغفٍ

عوْنَك فيما عراهُ أو جَلَدَك

أوسِعْه عذراً ولُمْ مُعدّبه

وقل له عن أخٍ قد اعتقدك

يا حسن الجيدكم تُدلُّ على الصَّب

ب كأن قد نحلته جيدَكَ

يا واضح الثغر كم تُدِلُّ على الصب

ب كأن قد أذقته بردك

أدْلِلْ عليه إذا فعلتَ به

أفعَالك اللائي أشبهتْ غَيَدَكْ

حظِّيَ من لؤلؤْيْك منعُك مَن

ظومَك منّي وتارة بدَدَكْ

لا لثمَ ثغرٍ ولا محاورة ً

يُحلى به من هواه قد عبدك

يا مورداً صادقً العذوبة ِ أش

كوكَ وأشكو الحماة ُ أنْ أردَكْ

إذا افترقنا وَشَى الوشاة ُ وإنْ

كان التلاقي وجدتُهم رصَدَكْ

وأنتَ في منعِ ما أُحبُّ مع ال

قومِ فمن ذا يجير مُضطَهَدَكْ

يا ليتَ روحي وروحَك التقتا

في جسدي أو أُحِلَّتا جسدكْ

عجبت من ظلمِكَ القويَّ ولو

شاءَ ضعيفٌ ثناكَ أو عقدكْ

دعْ ذا وقلْ في مديحِ ذي كرمٍ

قَوَّمَ إفْضالُ كفِّهِ أودَكْ

ممَّن إذا ما رجوتَ نائلهُ

أنجزَكَ الظنُّ فيهِ ما وعدَكْ

ما حوذرتْ نكبة ٌ مُزلزِلة ٌ

بالناسِ إلا جعلتَه سندكْ

أوْلاك ما يوجبُ اعتيادكَ أد

ناه وما منَّهُ ولا اعْتَبَدَكْ

إسحاقُ أُمْتِعْتَ بالسلامة ِ وال

أمْنِ ولا فارقَ التُّقى خلدَكْ


قصيدة لمّا استقلّ بك الطريقُ إلى العدا

لمّا استقلّ بك الطريقُ إلى العدا

لا زلتَ تسلُك نحو رُشْدٍ مَسْلكا

غشِيتْكَ مِنْ نصرِ الإلهِ سحابة ٌ

نالت حواشِيها وليَّك زِيرُكا

فسما إلى الزَّنْج الأخابثِ سَمْوة ً

كانت لجمعهمُ هلاكاً مُهْلِكا

وبكيدِهم كِيدُوا له لا كيدِهِ

واللَّهُ حيَّنَهُم لذاكَ فأوْشَكا

شبُّوا له ناراً فأحرقَهم بها

ملكٌ إذا طلبَ الأعاديَ أدْرَكا

كانتْ أحقَّ من السيوفِ بأخذِهِمِ

فحمت مُباحَ دمائهم أن تُسفكا

رامُوا بكيدِهِمُ وليَّ مُظَفَّرٍ

لو كاده جبلٌ إذاً لتدكدكا

واهاً لها عِظَة ٌ لهم ولغَيْرِهِمْ

حُقَّ امْرؤٌ وعظتْه ألا يُؤْفَكا

فلْيَصرِفِ الصَّفَّارُ عنك عِنانَهُ

وليترِك الغيَّ المبينَ مُتْركا

وَلْيُبْقِ أن أبْقى على حَوْبائهِ

وعلى بقيَّة ِ شِلوه أن تُهْتَكا

فلقد رأى ما فيه مُعْتَبَرٌ له

إنْ عبرة ٌ نفَعَتْ وإن قلبٌ ذَكا


قصيدة أبا الصَّقْرِ لا تَدْعُني للبِرا


أبا الصَّقْرِ لا تَدْعُني للبِرا

زِ أو استعدُّ كأقْرانِكا

أرى النفْسَ يقْعُدُ بي عَزْمُها

إذا ما هممتُ بإتْيانِكا

لِما وَضَعَ الدهرُ من هِمَّتِي

وما رفع اللَّهُ منْ شأنِكا

أهابُكَ هَيْبة َ مُسْتَعْظِمٍ

لَقَدْرِكَ لا قَدْرِ سُلْطانِكا

وبعدُ فما حالتي حالة ٌ

أراني بها أهْلِ غِشيانكا

فلَيس بعزْمِي نهوضٌ إلي

كَ إنْ لم تُعِنْهُ بأعْوانكا

ولو شِئْتَ قلت أقمْ راشداً

فلا ذنبَ لي بل لِحرْمانكا

ولكن أبتْ لك ذاك العُلا

وطيبُ عُصارة عِيدانِكا

أزِرْني نوالكَ آنسْ به

وأعتدْ عتادي للُقْيانكا

فلستُ بأولِ من زاره

من الأبعدِين وجيرانكا

أترغب عن خُلق فاضلٍ

حَمِدْناه عن بعضِ أخْوَانكا

يسيرُ السحابُ بأثقاله

ولَيْس له رحبُ أعطانكا

فيسقي منازلنَا صوبهُ

وليسَ له مجدُ شيبانِكا

وما كانَ يُمكن شيئاً سوا

ك فهو أحقُّ بإمكانِكا

فقُلْ لسحابِك سرْ نحوه

مُغِدّا فجُدْه بتَهتانِكا

فكم سائلٍ لك أغنيتَه

وأوطانُه غيرُ أوطانِكا

وكم واهنِ الركن أنضتَه

إليك بقوة أركانكا

وقد كان مثليَ ذا عِلَّة

ٍ ولكن أُزيحَتْ بإحسانِكا

وسُنَّة ُ مجدِك أن تُستقى

سجالُ نداكَ بأشْطانِكا

برفْدِك ينهِضُ من يرتجِي

لديْكَ الغِنَى وبِحُملانكا

لذلكَ يُثْني عليك الورى

بأطيبَ من ريح أرْدانكا


قصيدة غدا كلُّ ذي شعرٍ يُدل بشعرِهِ


غدا كلُّ ذي شعرٍ يُدل بشعرِهِ

وماليَ إدلالٌ بغيرِ نَداكا

رجوتُ رجائي فيكَ لا ببلاغتي

ولكن بجودٍ حالفتْهُ يداكا

على أن ذا الإبلاغَ فيك رأيتُه

إذا هو أسرى يهتدي بهداكا

فليس بمحمودٍ لأن صوابَهُ

جدا منك يأتيه أمام جَداكا

وما حمدُ من سددتَه ورفدتَه

وما قال إلا ما يقول عداكا

وما قولهم إلا الجميل لأنهم

متى أهْجروا كذبتهم بسَداكا