أفضل قصائد الشاعر العماني سيف الرحبي

جوالة جديدة في عالم الأدب والشعر ، جولة مع الشاعر الخليجي العماني سيف الرحبي ، هو الكاتب والشاعر المميز وابن قرية سرور بولاية سمائل بالمنطقة الداخلية بسلطنة عمان ، تلقى تعليمه في القاهرة ، ومزج ثقافته ما بين الثقافة الشرقية العربية والغربية الأوروبية حيث عاش فترة من الزمن بأوروبا ، كثيرا من كتبه قد تم ترجمتها لأكثر من لغة ، مثل الفرنسية والألمانية والهولندية وكذلك الانجليزية ، كتب الكثير والكثير من المقالات وكذلك الشعر الرائع والقصائد المحببة لكثير من محبي الشعر ، واليوم اخترنا أن نقوم بتجميع أفضل قصائده لنعرضها عليكم خلال السطور التالية .


قصيدة عوارض التكييف

تصحو من النوم

غارقاً في بحيرةٍ من النعاس والوحل

تتلوّى في الفراش،

رأسُك يعجُ بالموتى

وقدماك ثقيلتان.

تتخيّل أمطاراً في الخارج

وجنائن تنزهن فيها نساء

مظلاتهن صُنعت من القشّ

سعيداتٌ يبتسمن للأفق

والبحرُ، زبدُه يصلُ إلى النافذة

قدمان ثقيلتان

ورأس يعُجُ بالموتى


قصيدة موسيقى

حين أخرجُ من البيت

أترك الموسيقى مفتوحة

تحرسُ أرواح الموتى.

موسيقى القدماء التي تحملُ رائحة العشب

وتحرسُ حدائق بابل

معلقةً في الأعماق

حين أخرج من البيت

أتركُ كلّ شيء مغلقاً على نفسه

عدا الموسيقى تضطربُ في الرُدهات الخالية

وعدا بضعَ محاراتٍ،

التقطتُها من الشاطئ القريب

ليلة العاصفة


قصيدة صحراء

في هذه الصحراء العاتية

الصحراء التي تسيلُ مع الشمسٍ كثباناً وشياطينَ

تناسلَ الأسلاف جَدّاً بعد جَدّ

ونبتْنا مصْل أشجارٍ صخريّة

راكضين بين الشاطئ والجبال

بأرجل حافيةٍ وقلبٍ مكلوم.

كبرُنا مع الجمال والحمير

قُدنا القطيع إلى مساقط الوادي

وشاهدنا القطا تغيبُ مع السراب

نصبْنا شباكاً للثعالب

وأخرى لوعول الغيب،

وحين سافرنا إلى بلدان العالي

لم نجد أثراً للأضحية في ثيابنا

ولم نجد ضالّة الحنين


قصيدة حكاية قديمة

بين النوم واليقظة

بين الصحو والمطر

كان يمضي حمارُ جارنا القديم

الذي أتذكرهُ الآن تحت شجرة التين

عائداً من أسفاره السعيدة

بين البندر والقرية

كان يمضي القيلولة تحت الشجرة المثقلة

بالظهيرة والعصافير

ناعساً وعلى رأسه تاجٌ من الذباب

لا يتذكر شيئاً

لكنه يسرحُ أحياناً فيرفسُ الجذع

برجلين معروقتين بالألم

وفي المساء يمضي لجلب الزرع من الحقول

المبعثرة كدموعٍ خضراء سكبتها الآلهة.

في الرواح والمجيء يرسل نهيقه العالي كصراخ أضاعته

السلالة بين الأحراش، فتشرئبُ أعناق الحمير.

مرحاً

مختالاً كطائر كركي بين إناثه

وفي الليل حين يأوي الى شجرته التي

تلمعُ فيها عيونُ الديكة حالمةً بمقدم

الثعالب، يكونُ قد غادر موقعهُ إلى

ديارٍ بعيدةٍ يخوض فيها سهوباً وأودية

بحمله الثقيل وربما حَلَمَ بأنثى لم يطأها

حمارٌ قبله….

بالأمس رأيتُ حماراً هرما تحت شجرة

عتيقة.


قصيدة واقعية

رأى (فريدريك نيتشه) ذات صباح

حوذيا يجلد حصانه على الطريق العام

كان الشتاء الألماني في ذروته

وكان المارة يندفعون إلى المصانع.

لم تسعفه عدميّته تجاه الخلق والتاريخ

لم تسعفه السخرية المريرة

وعبث الوجود.

انهار مبنى إرادة القوة

أمام اللحم الحي وهو يتلوى تحت السياط.

صرخ الفيلسوف صرخته الأخيرة

وكأنما الألم البشري السحيق

انفجر من حنجرة واحدة.

بعدها، دخل في غيبوبة المرض

حتى نَزْعه الأخير

تاركا قرن العبقرية البلهاء يرفس

تحت مطرقة أفكاره الصادمة.


قصيدة الفيلسوف

على سرير احتضاره

ينام الفيلسوف

مصغيا إلى الموسيقى والشعر

من نافذته المعتمة

يتأمل الشجرة المورقة

التي كانت في غمرة الربيع.

يرسل نظرات متعبة، حزينة

كأنها التحية الأخيرة

لسر الكون المستعصي على التفسير


قصيدة حب مطرح الشهيرة

حين تمددت لأول مرة على شاطئك

الذي يشبه قلبا، نبضاته منارات

ترعى قطعانَها في جبالك الممتدة

عبر البحر.

أطلقُ بين مقلتيك منجنيق طفولتي

وأصطاد نورساً تائها في زعيق

السُفن.

نجومك أميرات الفراغ

وفي ليل عُربك الغريب تضيئين

الشموع لضحاياك كي تنيري

طريقهم للهاوية.

أبعثر طيورك البحرية لأظل

وحيداً. أصغي إلى

طفولة نبضك المنبثق من

ضفاف مجهولة،

تمزق عواصفها أشرعة

المراكب

كم من القراصنة سفحوا أمجادهم

على شواطئك

المكتظة بنزيف الغربان

كم من التجار والغزاة

مبروك في الحلم

كم من الأطفال منحوك جنونهم

مثل ليلة بهيجةٍ

لعيد ميلاد غامض؟

القرويون أتوك من قراهم،

حاملين معهم صيفاً من الذكريات.

مطرح الأعياد القزحيّة البسيطة

والأمنيات المخمرة في الجرار،

الدنيا ذهبت بنا بعيداً

وأنت ما زلت تتسلقين أسوارك القديمة.

وما بين الطاحونة و((المثعابْ)).

يتقيأ الحطابون صباحات كاملة،

صباحات يطويها النسيانُ سريعاً.

هذه القلاع بقيت هكذا تحاورُ

أشباحاً في مخيّلة طفل، حيث

بناتُ آوى يتجولْن جريحاتٍ

بين ظلالها كموت مُحتمل

وحيث كنا نرى عبر مسافة قصيرةٍ

ثعباناً يخْتن جبلا في مغارة

لم أنسك بعد كل رحلاتي اللعينة

لم أنس صياديك وبرصاك النائمين

بين الأشجار.

حين تمددت لأول مرةٍ

كان البحر يشبه أيقونةً

في كف عفريت

لأنه كان بحرا حقيقياً يسرح زبده

في هضاب نساء يحلُمن بالرحيل

حين تمددتُ لأول مرةٍ

لم أكن اعرف شيئاً عدا

ارتجافة عصفورٍ

في خصرك

الصغير

ليلة أخرى

سأنام وأترك كل شيء للريح

النابحة أمام بابي

سأترك القلم والسجائر والمنفضة

الملأى بفيالق المغول وهم

يغتصبون السبايا في

مدن الذاكرة

سأنام وأترك كل شيء للريح

والمطر الراعدُ وهو يقْرعُ نافذتي

طوال الليل ويتسلل إلى نومي

مثل كابوسٍ هائجٍ أو رحمةٍ إلهيةٍ.