أفضل قصائد الشاعر صلاح عبد الصبور

الشاعر المصري صلاح عبد الصبور هو من مواليد مدينة الزقازيق ، ولد في الثالث من مايو عام 1931 ، و هو أحد رواد حركة

الشعر الحر

، و هو من أحد أهم الشعراء اللذين كانت لهم مساهمات بارزة ، في التأليف المسرحي ، و قد كان له العديد من المؤلفات الشعرية ، و من أهمها ديوان الناس في بلادي ، و شجر الليل ، و بعض

المؤلفات المسرحية

و منها ليلى و المجنون .


بعض قصائد الشاعر صلاح عبد الصبور



قصيدة رؤيا

في كل مساء،

حين تدق الساعة نصف الليل،

وتذوي الأصوات

أتداخل في جلدي أتشرب أنفاسي

و أنادم ظلي فوق الحائط

أتجول في تاريخي، أتنزه في تذكاراتي

أتحد بجسمي المتفتت في أجزاء اليوم الميت

تستيقظ أيامي المدفونة في جسمي المتفتت

أتشابك طفلاً وصبياً وحكيماً محزوناً

يتآلف ضحكي وبكائي مثل قرار وجواب

أجدل حبلا من زهوي وضياعي

لأعلقه في سقف الليل الأزرق

أتسلقه حتى أتمدد في وجه قباب المدن الصخرية

أتعانق و الدنيا في منتصف الليل.

حين تدق الساعة دقتها الأولى

تبدأ رحلتي الليلية

أتخير ركنا من أركان الأرض الستة

كي أنفذ منه غريباً مجهولاً

يتكشف وجهي، وتسيل غضون جبيني

تتماوج فيه عينان معذبتان مسامحتان

يتحول جسمي دخان ونداوه

ترقد أعضائي في ظل نجوم الليل الوهاجة و المنطفأة

تتآكلها الظلمة و الأنداء، لتنحل صفاء وهيولي

أتمزق ريحا طيبة تحمل حبات الخصب المختبئة

تخفيها تحت سراويل العشاق.

و في أذرعة الأغصان

أتفتت أحياناً موسيقى سحرية

هائمة في أنحاء الوديان

أتحول حين يتم تمامي -زمناً

تتنقل فيه نجوم الليل

تتجول دقات الساعات

كل صباح، يفتح باب الكون الشرقي

وتخرج منه الشمس اللهبية

وتذوّب أعضائي، ثم تجمدها

تلقي نوراً يكشف عريي

تتخلع عن عورتي النجمات

أتجمع فاراً ، أهوي من عليائي،

إذ تنقطع حبالي الليلة

يلقي بي في مخزن عاديات

كي أتأمل بعيون مرتبكة

من تحت الأرفف أقدام المارة في الطرقات.


قصيدة لحن

جارتي مدت من الشرفة حبلاً من نغم

نغم قاس رتيب الضرب منزوف القرار

نغم كالنار

نغم يقلع من قلبي السكينه

نغم يورق في روحي أدغالاً حزينه

بيننا يا جارتي بحر عميق

بيننا بحر من العجز رهيب وعميق

و أنا لست بقرصان، ولم اركب سفينه

بيننا يا جارتي سبع صحارى

و أنا لم ابرح القرية مذ كنت صبيا

ألقيت في رجلَي الأصفاد مذ كنت صبيا

أنت في القلعة تغفين على فرش الحرير

و تذودين عن النفس السآمه

بالمرايا الفارس الأشقر في الليل الأخير

(أشرقي يا فتنتي)

(مولاي !!)

( أشواقي رمت بي )

(آه لا تقسم على حبي بوجه القمر

ذلك الخداع في كل مساء

يكتسب وجهاً جديد ..

جارتي ! لست أميراً

لا ، ولست المضحك الممراح في قصر الأمير

سأريك العجب المعجب في شمس النهار

أنا لا املك ما يملأ كفيّ طعاما

وبخديك من النعمة تفاح وسكر

فاضحكي يا جارتي للتعساء

نغّمي صوتك في كل فضاء

و إذا يولد في العتمة مصباح فريد

فاذكريني ..

زيته نور عيوني وعيون الأصدقاء

ورفاقي الطيبين

ربما لا يملك الواحد منهم حشوَ فم

و يمرون على الدنيا خفافاً كالنسم

ووديعين كأفراخ حمامه

وعلى كاهلهم عبء كبير وفريد

عبء أن يولد في العتمة مصباح جديد


قصيدة القديس


إلي ، إلي، يا غرباء يا فقراء يا مرضى

كسيري القلب والأعضاء ، قد أنزلت مائدتي

إلي ، أليّ

لنطعم كسرة من حكمة الأجيال مغموسه

بطيش زماننا الممراح

نكسر، ثم نشكر قلبنا الهادي

ليرسينا على شط اليقين، فقد أضل العقل مسرانا

إلي إلي

أنا، طوفت في الوراق سواحاً، شبا قلمي

حصاني، بعد أن حلمت بي الأوهام والغفله

سنين طوال، في بطن اللجاج، وظلمة المنطق

وكنت إذا أجن الليل، واسنخفى الشجيونا

وحنّ الصدر للمرفق

وداعبت الخيالات الخليينا

ألوذ بركني العاري، بجنب فتيلي المرهق

وأبعث من قبورهم عظاماً نخرة ورؤوس

لتجلس قرب مائدتي، تبث حديثها الصياح و المهموس

وان ملت، وطال الصمت، لا تسعى بها أقدام

وان نثرت سهام الفجر ، تستخفي كما الأوهام

وقالت:

بأن النهر ليس النهر، و الإنسان لا الإنسان

وأن حفيف هذا النجم موسيقى

وأن حقيقة الدنيا ثوت في كهف

و أن حقيقة الدنيا هي الفلسين فوق الكف

وأن الله قد خلق الأنام ، ونام

و أن الله في مفتاح باب البيت

ولا تسأل غريقاً كب في بحر على وجهه

لينفخ بطنه عشباً وأصدافاً وأمواها

كذلك كنت

وذات صباح

رأيت حقيقة الدنيا

سمعت النجم و الأمواه والأزهار موسيقى

رأيت الله في قلبي

لأني حينما استيقظت ذات صباح

رميت الكبت للنيران، ثم فتحت سباكي

و نفس الضحى الفواح

خرجت لأنظر الماشين في الطرقات، والساعين للأرزاق

وفي ظل الحدائق أبصرت عيناي أسراباً من العشاق

وفي لحظة

شعرت بجسمي المحموم ينبض مثل قلب الشمس

شعرت بأنني امتلأت شعاب القلب بالحكمه

شعرت بأنني أصبحت قديساً

وأن رسالتي ..

هي أن أقدسكم