قصة توبة الإمام القعنبي

عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي، أحد علماء السنة والجماعة ومن كبار رواة الحديث، تتلمذ على يد

الإمام مالك

ونهل من فيض علمه، عاش حياة اللهو والترف في بداية حياته إلا أن الله فتح على قلبه وبصيرته فهداه على يد الإمام المحدث شعبة بن الحجاج، وأصبح من أكبر رواة الحديث ومن تلامذته الإمام البخاري، ومسلم وأبو داوود، الذين نهلوا من علمه حتى توفى في مكة في عام 221 هـ.


حياة القعنبي :


عاش القعنبي حياة اللهو مع أصدقاء السوء فكان لا يتورع عن شرب الخمر في الطرق بين الناس، فلا يخشى ولا يخاف أحد، عاش طويلاً حياة العربدة مع رفقائه الذين كانوا يعيشون نفس حياته للخمر والسكر وارتكاب المعاصي في الطرقات حتى شاء الله تعالى أن يشرح قلبه للهداية وينير بصيرته بالعلم من خلال لقائه مع الإمام الشعبي الذي تعامل مع القعنبي بذكاء العلماء، حتى تغيرت حياة القعنبي بين يوم وليلة وصار يطلب العلم في كل مكان وتتلمذ على يد الإمام مالك حتى نهل من فيض علمه وارتوى به.


قصة توبة القعنبي :


يروى العلماء أن القعنبي كان في احد الأيام يجلس على قارعة الطريق يعاقر الخمر كعادته، ولا يناله من الحياء شيء، فوجد زحمة وجمع من الناس يلتفون حول رجل يركب حماره، فلفت انتباه القعنبي المنظر وقرر الوصول لهذا الرجل الذي يحتفي به الناس، وبالفعل اخترق جموع الناس حتى وصل إلى راكب الحمار، ومسك لجام الحمار قائلاً لراكبه، من أنت ؟، قال الراكب : شعبة، رد القعنبي : ومن شعبة ؟، وقع السؤال كالصاعقة على جميع الموجودين (فهل يوجد في البصرة من لا يعرف شعبة ابن الحجاج، أحد محدثي الأمة وراوي الأحاديث)، فرد عليه تلامذة شعبة قائلين : محدث، قال القعنبي : وما محدث ؟ ما شغله؟، (فقد كان بعيداً كل البعد عن حياة المسلمين)،أعاد القعنبي السؤال : ماذا يفعل المحدث ؟، قالوا : محدث، (فهم لا يصدقون أنه يوجد بين المسلمين من لا يعلم من هو المحدث)، قال : وما محدث يبيع ماذا ؟، قالوا : محدث يروي أحاديث.


نور الهدايـة :


وجه القعنبي الحديث مستهزًأً لشعبة قائلًا : حدثني بحديث مما تعرف، في هذه اللحظة علم شعبة أنه أمام أحد الشباب الذين لا يعلمون شيئًا عن دينهم لذلك قرر أن يجيبه بإجابة تصبح درسًا له طوال حياته، قال شعبة : حدثنا منصور عن ربعي عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت”، فوقعت الكلمات في قلب القعنبي قبل أذنه حتى أنه ترك اللجام من يده، وظل يبكي حتى عاد لبيته، فوجد أمه فقال لها : إذا عاد أصحابي أخبريهم بأني سكبت الشراب، فإذا علموا رحلوا عني.


القعنبي الباحث عن العلم :


ظل يبحث القعنبي عن أعلم أهل الحديث، فدله الناس على الإمام مالك فذهب إلى المدينة وتعلم على يده وكان من أنجب تلاميذه حتى يروى أن الإمام مالك قرأ نصف الموطأ على القعنبي، والقعنبي قرأ النصف الآخر على الإمام مالك، أصبح القعنبي من محدثي الحديث وأحد علماء ورواة الأحاديث الثقة، تتلمذ على يده

الإمام البخاري

، و

الإمام مسلم

، وأبو داوود، وتوفى في عام  221 هـ، بمكة المكرمة.