تفسير ” وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا “

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا  ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } [سورة مريم: 71-72]، ورد في تفسير بن كثير أنه روى الإمام أحمد، عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم يدخلونها جميعاً، ثم ينجي الله الذين اتقوا.


تفسير الآية:



{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}:

روى الإمام أحمد، عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم يدخلونها جميعاً، ثم ينجي الله الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له: إنا اختلفنا في الورود، فقال: يردونها جميعاً، وأهوى بإصبعه إلى أذنيه، وقال: صُمَّتَا إن لم أكن سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار ضجيجاً من بردهم، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيًّا».

وعن قيس ابن أبي حازم قال: كان

عبد الله بن رواحة

واضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى، فبكت امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال إني ذكرت قول الله عزَّ وجلَّ

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}:

فلا أدري أنجو منها أم لا؟ وكان مريضاً [أخرجه عبد الرزاق].

وقال ابن جرير عن أبي إسحاق: كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، فقيل له: ما يبكيك يا أبا ميسرة؟ فقال: أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أنا صادرون عنها، وعن الحسن البصري قال، قال رجل لأخيه: هل أتاك أنك وارد النار؟ قال: نعم، قال: فهل أتاك أنك صادر عنها؟ قال: لا، قال: ففيم الضحك، قال: فما رئي ضاحكاً حتى لحق بالله، وقال عبد الرزاق خاصم ابن عباس نافع بن الأزرق، فقال

ابن عباس

: الورود الدخول، فقال نافع: لا، فقرأ ابن عباس {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:98] وردوا أم لا؟

وقال: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود:98] أوردهم أم لا؟ أمّا أنا وأنت فسندخلها، فانظر هل نخرج منها أم لا؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك، فضحك نافع. وقال: عن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل يقال له أبو راشد، وهو نافع بن الأزرق. فقال له: يا ابن عباس، أرأيت قول الله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}، قال: أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها فانظر هل نصدر عنها أم لا؟

وعن

عبد الله بن مسعود

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «يرد الناس كلهم ثم يصدون عنها بأعمالهم» [رواه أحمد والترمذي]. وقد رواه أسباط عن السدي، عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعاً الصراط، وورودهم قيامهم حول النار، ثم يصدون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأجود الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجُل، حتى إن آخرهم مراً رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط، والصراط دحض مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس [أخرجه ابن أبي حاتم]

وقال ابن جرير، عن عبد الله قوله

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

قال: الصراط على جهنم مثل حد السيف، فتمر الطبقة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود البهائم، ثم يمرون والملائكة يقولون اللهم سلم سلم، ولهذا شواهد في الصحيحين وغيرهما. عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة، قالت كان رسول الله صل الله عليه وسلم في بيت حفصة فقال: «لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية» قالت حفصة: أليس الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} ؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}.

وفي الصحيحين عن

أبي هريرة

رضي الله عنه قال، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم» يعني الورود. وقال قتادة قوله:

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

هو الممر عليها. وقال عبد الرحمن بن زيد. ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهرانيها، وورود المشركين أن يدخلوها، والزالون والزالات يومئذ كثير، وقد أحاط يومئذ سماطان من الملائكة دعاؤهم يا الله سلم سلم.

وقال السدي عن ابن مسعود في قوله:

{كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}

قال: قسماً واجباً، وقال مجاهد: حتماً، قال قضاء، وقوله:

{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}:

أي إذا مر الخلائق كلهم إلى النار، وسقط من سقط من الكفار، والعصاة، نجى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم، فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا، ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين، فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، فيخرجون خلقاً كثيراً قد أكلتهم النار إلا دارات وجوههم ـ وهي مواضع السجود ـ ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صل الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}