تفسير الآية ” تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن “

{ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [سورة الشورى: 5]


تفسير ” تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن “

وقوله :

{ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ }

يقول تعالى ذكره: تكاد السموات يتشققن من فوق الأرضين، من عظمة الرحمن وجلاله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وعن

ابن عباس

رضي الله عنهما في قوله:

{ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ }

قال: يعني من ثقل الرحمن وعظمته تبارك وتعالى. وعن قتادة قال: أي من عظمة الله وجلاله، وعن السدي

{ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ }

قال: يتشققن وعن عبيد قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله:

{


يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ }

يقول : يتصدعن من عظمة الله،

وعن محمد بن قيس قال: جاء رجل إلى كعب فقال: يا كعب أين ربنا ؟ فقال له الناس: دق الله تعالى، أفتسأل عن هذا ؟ فقال كعب: دعوه فإن يك عالمًا ازداد وإن يك جاهلًا تعلم، سألت أين ربنا ، وهو على العرش العظيم متكئ، واضع إحدى رجليه على الأخرى، ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمسمائة سنة ومن الأرض إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وكثافتها خمسمائة سنة، حتى تم سبع أرضين، ثم من الأرض إلى السماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثافتها خمسمائة سنة، والله على العرش متكئ، ثم تفطر السموات ثم قال كعب: اقرءوا إن شئتم { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.

وقوله:

{ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ }

يقول تعالى ذكره: والملائكة يصلون بطاعة ربهم وشكرهم له من هيبة جلاله وعظمته وعن ابن عباس قال: و

الملائكة

يسبحون له من عظمته، وقوله:

{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ }

يقول: ويسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الأرض من أهل الإيمان به، وعن السدي في قوله:

{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ }

قال: للمؤمنين، يقول الله عز وجل: ألا إن الله هو الغفور لذنوب مؤمني عباده، الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد توبتهم منها،


{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ }

قال الضحاك: لمن في الأرض من المؤمنين؛ وقال السدي. بيانه في سورة غافر { ويستغفرون للذين آمنوا } [غافر : 7]. وعلى هذا تكون الملائكة هنا حملة العرش. وقيل : جميع ملائكة السماء؛ وهو الظاهر من قول الكلبي. وقال وهب بن منبه: هو منسوخ بقوله: { ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر : 7]. قال المهدوي: والصحيح أنه ليس بمنسوخ؛ لأنه خبر، وهو خاص للمؤمنين.

وقال أبو الحسن الماوردي عن الكلبي : إن الملائكة لما رأت الملكين اللذين اختبرا وبعثا إلى الأرض ليحكما بينهم، فافتتنا بالزهرة وهربا إلى إدريس – وهو جد أبي نوح عليهما السلام – وسألاه أن يدعو لهما، سبحت الملائكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم. قال أبو الحسن بن الحصار: وقد ظن بعض من جهل أن هذه الآية نزلت بسبب

هاروت وماروت

، وأنها منسوخة بالآية التي في المومن، وما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفار للمؤمنين خاصة، ولله ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض. الماوردي : وفي استغفارهم لهم قولان : أحدهما: من الذنوب والخطايا؛ وهو ظاهر قول مقاتل. الثاني : أنه طلب الرزق لهم والسعه عليهم؛ قاله الكلبي. قلت: وهو أظهر، لأن الأرض تعم الكافر وغيره، وعلى قول مقاتل لا يدخل فيه الكافر.

وقد روي في هذا الباب خبر رواه عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال: إن العبد إذا كان يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت معروف من آدمي ضعيف، كان يذكر الله تعالى في السراء فنزلت به الضراء؛ فيستغفرون له. فإذا كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت منكر من آدمي كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء فلا يستغفرون الله له. وهذا يدل على أن الآية في الذاكر لله تعالى في السراء والضراء، فهي خاصة ببعض من في الأرض من المؤمنين. والله أعلم. يحتمل أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى: { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} [فاطر : 41] إلى أن قال {إنه كان حليما غفورا ، وقوله تعالى: { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} [الرعد : 6]. والمراد الحلم عنهم وألا يعالجهم بالانتقام فيكون عامًا.