قصة ” ليس كل مايتمناه المرء يدركه “

ليس كل ما يتمناه المرء يدركه هو بيت من قصيدة

المتنبي

،  وهو أحد شعراء

العصر العباسي

في القرن العاشر الميلادي، فهو يقول 🙁 ما كُلُّ ما يَتَمَنَّى المَرءُ يُدرِكُه تجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ )، وهي تعني  على أن ظروف الحياة قد  تأتي عكس ما يتمنى الإنسان، مثل السفن وذلك يكون كناية عن قبطانها وركابها فهي تتمنى أن تكون الريح مواتية و سهلة ، أي تكون الرياح في  اتجاه سير السفينة لكي تدفعها للأمام، لكن  دائما ما تكون الرياح عكس فتعوق مسيرتها، وفي بعض الاحيان تكون عاتية مهاجمة قد تصل لتحطيمها.


قصة ” ليس كل مايتمناه المرء يدركه “

المتنبِي كان يعرف سيف الدولة قَبل أن يلقاه، أو حتى يراه، فسمع عن أفضاله الكثير ، وامتدَت محاسنه إلى خارج حلب، وأبي العشائر هو ما قام بتعريف

سيف الدولة

بالمتنبي ، وذلك لان المتنبي عرض عليه أن يمدحه في شعره،  فسيف الدولة رحب به، وقام بضمه إلى بلاطه.

فاصبح المتنبي من أخلص خلَصاء، ورفاق سيف الدولة، واندمج في العيش مع سيف الدولة، وكان يشاركه حروبه وغزواته، وكرس حياته للدفاع عنه ضد اعداؤه، وبذلك وصل المتنبي لمكانة رفيعة في بلاط الأمير، الامر الذي اغتاظ منه جلسائه، وكذلك حساده، وبذلك كَثر كارهوه .

ومنهم من حاول مثل الشاعر

أبو فراس الحمداني

ان يوقع بينهما، وبالفعل نجحوا في ذلك، فاقموا شقاقا بينه وبين سيف الدولة وكذلك جفوة خرج بعدها من جلساءه، حيث قام المتنبي بعمل مشاجرة  تافهة في البلاط، فلم يقوم سيف الدولة بنصرته، فاعتبر هذا المتنبي إهانة له، وخزلان، فقام بمغادرته إلى مصر وهو كان غير متحمِس؛ وكان ذلك تلبية  لأبي المسك كافور، ونزل عنده.

وهو في مصر، تذكر سيف الدولة الأمير الحمداني، الذي قضى معه وفي صحبته  تسع سنوات 337- 346هـ، تعتبر زهرة عمـره.

فقام بكتابة  قصيدته بم التعلل وذلك بعد ان سمع خبر نعيه في مجلس سيف الدولة الحمداني، فأثر ذلك في نفسه  تأثرا بالغا شديدا، فكتب قصيدته النابضة بالحزن العميق والتي فيها بيت

مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْركُهُ * تَجْري الرّيَاحٌ بمَا لَا تَشْتَهي السَّفَنُ

وسيف الدولة كان يتقصى أخباره في مصر، ويتمنى عودته، حيث  أنه لما بلغه البيت القائل من القصيدة ذاتها:

وإن بليت بودّ مثل ودّكم                    فإنني بفراق مثله قمن

بمعنى انه قادر على فراق جديد، ومعنى قمن هو خليق وجدير، فعندما سيف الدولة سمع هذا البيت قال: ” سار وحقُّ أبي..”،  بمعنى انه اصبح مثل بين الناس .


حياة أبي الطيب المتنبي

الشاعر أبو الطيب نشأ في مدينة الكوفة وانه قام بالتعلم في مدرسة كانت اكثر تميز، وهي كانت تتبع النظام الشيعي. بعد ذلك تنقل الى صحراء السماوة في

سوريا

، وكان ذلك مع أبيه وقام بقضاء سنتين من عمره التي كان لها الأثر الكبير على فصاحته ، حيث انها ظهرت واضحة فيما بعد في أشعاره .

ثم عاد إلى العراق، و لم يلبث فيها كثيرا لأنها  لم تكن آمنة له، لآنه كان متعاطف مع

القرامطة

فكانوا يغيرون على بغداد في تلك الفترة.

اتخذ المتنبي في بداية حياته العملية من مدح الشخصيات المهمة والثرية في بغداد والبادية الشاميّة وظيفة ، ان أشعاره في هذه الفترة قد تميزت الأبيات الشعرية بطابع موسيقي ، وكذلك  استخدام التعابير المتناقضة بكثرة، وقام بالتركيز على التعابير الموجزة.


سبب تسمية المتنبي بهذا الاسم

ان سبب تسمية المتنبي بهذا الاسم لأنه بادية السماوة ادعى النبوة ، فقام لؤلؤ أمير حمص نائب الإخشيد بأسره وذلك عندما ذاع صيته وفضح أمره ، وأطلق سراحه و ذلك بعد ان تاب ، وبعداها بوقت قام ببلاط الأمير سيف الدولة بن حمدان، وقام بالثناء عليه ومدحه، ، وقربه اليه، وأعطاه الجوائز و العطايا .


قصيدة بم التعلل كاملة

بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ

وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ

أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني

مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ

لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ

ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ

فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ

وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ

مِمّا أضَرّ بأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ

هَوَوا وَمَا عَرَفُوا الدّنْيَا وَما فطِنوا

تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ

في إثْرِ كُلّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ

تَحَمّلُوا حَمَلَتْكُمْ كلُّ ناجِيَةٍ

فكُلُّ بَينٍ عَليّ اليَوْمَ مُؤتَمَنُ

ما في هَوَادِجِكم من مُهجتي عِوَضٌ

إنْ مُتُّ شَوْقاً وَلا فيها لهَا ثَمَنُ

يَا مَنْ نُعيتُ على بُعْدٍ بمَجْلِسِهِ

كُلٌّ بمَا زَعَمَ النّاعونَ مُرْتَهَنُ

كمْ قد قُتِلتُ وكم قد متُّ عندَكُمُ

ثمّ انتَفَضْتُ فزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ

قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قولهِمِ

جَماعَةٌ ثمّ ماتُوا قبلَ مَن دَفَنوا

مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ

تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ

رَأيتُكُم لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكمُ

وَلا يَدِرُّ على مَرْعاكُمُ اللّبَنُ

جَزاءُ كُلّ قَرِيبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ

وَحَظُّ كُلّ مُحِبٍّ منكُمُ ضَغَنُ

وَتَغضَبُونَ على مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ

حتى يُعاقِبَهُ التّنغيصُ وَالمِنَنُ

فَغَادَرَ الهَجْرُ ما بَيني وَبينَكُمُ

يَهماءَ تكذِبُ فيها العَينُ

وَالأُذُنُ تَحْبُو الرّوَاسِمُ مِن بَعدِ الرّسيمِ بهَا

وَتَسألُ الأرْضَ عن أخفافِها الثَّفِنُ

إنّي أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي كَرَمٌ

وَلا أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ

وَلا أُقيمُ على مَالٍ أذِلُّ بِهِ

وَلا ألَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ

سَهِرْتُ بَعد رَحيلي وَحشَةً لكُمُ

ثمّ استَمَرّ مريري وَارْعَوَى الوَسَنُ

وَإنْ بُلِيتُ بوُدٍّ مِثْلِ وُدّكُمُ

فإنّني بفِراقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ

أبْلى الأجِلّةَ مُهْري عِندَ غَيرِكُمُ

وَبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ وَالرّسَنُ

عندَ الهُمامِ أبي المِسكِ الذي غرِقَتْ

في جُودِهِ مُضَرُ الحَمراءِ وَاليَمَنُ

وَإنْ تأخّرَ عَنّي بَعضُ مَوْعِدِهِ

فَمَا تَأخَّرُ آمَالي وَلا تَهِنُ

هُوَ الوَفيُّ وَلَكِنّي ذَكَرْتُ لَهُ

مَوَدّةً فَهْوَ يَبْلُوهَا وَيَمْتَحِنُ