توثيق سورة الحشر

ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قصص للأمم الغابرة لتكون عبرةً وعظةً للعالمين، فبين لنا ما فعلوه لندرك استحقاقهم للعقاب الذي وقع بهم لنتجنبه ونتجنب أسبابه. فالمؤمن الحق هو من يتعلم من أخطاء الآخرين ويتجنبها في سبيل مرضاة الله ورسوله وللنجاة من النار والفوز بالجنة.

شرح سورة الحشر

سورة الحشر من السور المدنية التي نزلت على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وتعود تسمتيها بهذا الاسم لقوله تعالى :”

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ..

“، وهو الحشر الأول لمن كفروا حينما أخرجهم النبي -عليه الصلاة والسلام- من المدينة لبلاد الشام، ويليه الحشر الثاني وهو إجلائهم من خيبر لبلاد الشام في عهد عمر -رضي الله عنه-.

تسمى كذلك بسورة بني النضير، فيقص الله سبحانه وتعالى من خلال آياتها قصة يهود بني النضير ونقضهم لعهدهم مع الرسول -عليه الصلاة والسلام- وإجلائهم من المدينة.

يوضح لنا الله سبحانه وتعالى من خلال سورة الحشر عدد من الأحكام الشرعية، مثل أحكام الغنائم والفيء وإجلاء بني النضير والأمر بالتقوى مثلها كباقي السور المدينة الأخرى. بالإضافة لكونها تقدم تحليل مفصلاً عن العلاقة التي تجمع المنافقين باليهود، وتبين لنا مدى عظم القرآن الكريم، وتشتمل على عدد من أسماء الله الحسنى.

تفتح سورة الحشر بتنزيه المولى عز وجل عن أي نقص، وتمجيده من سائر المخلوقات في الكون، وشهادتهم بأنه الواحد جل وجلاله وإقرارهم بمدى قدرته وعظمته.

ثم يبين الله سبحانه وتعالى كيف نصر رسوله والمؤمنين على أعدائهم، وكيف تم إخراجهم من المدينة المنورة وهدم قلاعهم وحصونهم، وبعد النصر يرشد الله المؤمنين لأحكام الفيء وهو ما حصل عليه المسلمين من أعدائهم من أراضي وأموال دون قتال، وكيفية توزيعها والحكمة من ذلك.

وفي طيات آيات أحكام الفيء يمد المولى عز وجل المهاجرين وموقفهم مشيداً بالأنصار، منتدباً من لحقوا ببهم من العباد بطلب المغفرة لهم والثناء عليهم.

ثم يسلط الضوء على حال المنافقين واليهود ويقارن بين الفريقين، كيف أنهم يتحالفون على الباطل ثم يخذلوهم فلا يكونوا لهم عوناً ولا ينصروهم، ويبيّن لنا مدى خوفهم من مواجهة المؤمنين، ونرى تشبيه القرآن العظيم للمنافقين بأنهم كالشياطين يغوون الإنسان ويجروه للضلال ثم يتخلون عنه.

ثم يذكر الله عباده المؤمنين أن يتقوه ويعدوا العدة ليوم البعث وأهواله، وأن يعتبروا من الحديث عن أحوال الأمم الغابرة، وينبههم للفارق بين أهل الجنة وأهل النار ومصير الشقي والسعيد في دار الآخرة.

وتختم السورة ببيان مدى عظمة القرآن الكريم وقدرة وعظمة الله سبحانه وتعالى، من خلال أسمائه وصفاته الواردة في الآيات.

سبب نزول سورة الحشر

أما عن

سبب نزول سورة الحشر

فقد جاء عن سعيد بن جبير في الحديث الشريف “قلت لابن عباس : سورة الحشر؟ قال : أنزلت في بني النضير ، وفي رواية : سورة بني النضير”.

فكان سبب نزولها هو بيان الواقعة التي حدثت بين يهود بين النضير والرسول -صلى الله عليه وسلم-، فكان  قد أخذ عليهم ميثاق بألا يقاتلوه ولا يقاتلهم لكنهم نقضوا العهد الذي بينه وبينهم معتقدين أن حصونهم ستحميهم من نفاذ أمر الله وأنهم منتصرين لا محالة على المسلمين، لكن انتصر عليهم المؤمنين وأخرجهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المدينة المنورة فلم تنفعهم حصونهم ولا قلاعهم من نفاذ أمر الله فيه.[1]

مقاصد سورة الحشر

من

اسئلة عن سورة الحشر

الشائعة بين الكثيرين هي ما المقاصد التي يمكن استنباطها من الآيات، وفي الحقيقة مقاصدها كثيرة وهي:

  • اعتقاد أهل الباطل أنهم بعلوهم في الأرض لن يقدر على هزيمتهم أحد، ثم تأتيهم الهزيمة من حيث لا يحتسبون.
  • فعل ما يعتقد بأنه فساد في الأرض لكن لتحقيق مصلحة عامة لا يعد فساداً، وذلك حينما قطع المؤمنين النخيل وأتهمهم اليهود بالفساد.
  • بيان عظمة الإسلام فيما يتعلق بأحكام الفيء، فتقسيمه يكون على المحتاجين للمال.
  • توضيح فضل خلق الإيثار الذي ظهر في أنصار المدينة بوضوح.
  • الإيمان لا يتأثر بتغير الأماكن أو بمرور الزمن.
  • الصداقة التي تجمع بين المنافقين واليهود، هي مثال للصداقة الوهمية التي تختفي عند المصائب.
  • اليهود ليسوا شجعان ليواجهوا في القتال، وإن قاتلوا يقاتلون من رواء حصن منيع.
  • أهمية محاسبة المؤمن لنفسه في الحياة الدنيا قبل أن يحاسب في الآخرة.
  • تنبيه العباد لأثر القرآن الكريم على الجبال، وبأنهم هم الأحق بهذا التأثر.
  • أسماء الله الحسنى “الخالق، البارئ، المصور” توضح لنا المراحل التي يمر بها الخلق عند تكوينهم.[2]

ما يستفاد من سورة الحشر


الدروس المستفادة من سورة الحشر

كثيرة ويمكن توضيحها ببساطة من خلال النقاط التالية:


الدرس الأول

  • حسابات البشر الدنيوية لن تنفعهم ولن تقيهم من وقوع أمر الله فأنه متى أراد شيئاً سبحانه قال له كن فيكن.
  • ونستدل على هذا الدرس من واقعة يهود بني النضير، حينما ظنوا أن حصونهم مانعتهم من المؤمنين لكن الله قذف الرعب في قلوبهم وجاءتهم الهزيمة من حيث لا يحتسبون حتى أنهم خربوا بيوتهم بأيديهم قبل تركها حتى لا يستفيد منها المؤمنين، لكن الله أمر المؤمنين بتخريبها أيضاً ليمحوا أثرهم وليعتبر غيرهم من الظالمين.


الدرس الثاني

  • حكمة الله سبحانه وتعالى من أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين بتخريب ممتلكات أعدائهم حتى يضعف قوتهم، وبأنها لا تعد من مشاهد الفساد في الأرض كما أدعى عليهم اليهود وقتها، كما جاء في قوله تعالى في الآية الخامسة من سورة الحشر:”مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ”.


الدرس الثالث

  • رحمة الله سبحانه وتعالى في مسألة تقسيم الفيء نستنبط منها حق الفقراء في الأموال كي لا يكون تداوله حصراً على الأغنياء فقط.
  • ومما يمكن تعلمه من هذا الأمر هو كيف أن الإسلام اهتم بتحقيق مبدأ التكافؤ بين الجميع وتأسيس عدالة اجتماعية في المجتمع والمقاربة بين طبقاته المختلفة.


الدرس الرابع

  • ضرورة الاحتكام للشرعية الإسلامية وما أقره الله سبحانه وتعالى من قوانين في كل كبيرة وصغيرة في الحياة.
  • فجاء قول الله تعالى :”مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ” مقروناً بقوله تعالى “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ “، لتنبيه المسلمين على ضرورة اتباع الشريعة الإسلامية والالتزام بما تأمر به اتقاءً لعقاب الله الشديد.


الدرس الخامس

  • الحذر من مصاحبة المنافقين، فإنهم كالشياطين يقنعون العبد على إلقاء نفسه في التهلكة ويعدونه بالوقوف جانبه ثم يتخلون عنه متى كان بحاجتهم.
  • ويظهر ذلك واضحاً جلياً من قصة بني النضير والمنافقين، فحينما أخرجوا من المدينة لم ينصروهم ولم يخرجوا معه مخالفين عهدهم معهم.


الدرس السادس

  • الاقتداء بالسابقين من المهاجرين والمؤمنين والصالحين ومن تبعوهم بإحسان اللذين حرصوا على إرضاء الله سبحانه وتعالى، وتركوا ديارهم وأموالهم في سبيل اتباع ما أمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولنصرة دين الحق، والدعاء لهم بالمغفرة.