هل الأموات يتزاورون بالقبور؟ ” رأي ابن عثيمين

الحياة في القبر

إن الحياة في القبر يطلق عليها اسم البرزخ فمعناه لغة هو الحاجز بين شيئين، وقد قال الله سبحانه وتعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ}، ومعناها في الاصطلاح بأنها هي الحياة التي تأتي بعد أن يموت الإنسان وتتجلى فيها الفترة بين خروجه من الدنيا ودخوله إلى حياة الآخرة، وقد قال المفسرون بأن هو الزمان بين الموت والبعث، وقد اتفق العلماء على وجود الملكين ووجود فتنة القبر بعد الموت، فإن كل إنسان سيمر بهذه الحياة بعد الموت وسيسأل وسيجازى بالخير أو بالشر كل حسب عمله، قال صلى الله عليه وسلم: [فتُعادُ رُوحُه في جسَدِه، فيَأتيهِ مَلَكانِ، فيُجلِسانِه، فيقولانِ: مَن ربُّكَ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللهُ، فيقولانِ: وما دِينُكَ؟ فيقولُ: ديني الإسلامُ، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم؟ فيقولُ: هو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدرِيكَ؟ فيقولُ: قرَأْتُ كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ فآمَنْتُ به وصدَّقْتُ…].

هل الأموات يسمعون الأحياء

إن في هذه المسألة اختلف اهل العلم وقد بينوا على أدلة وأقوال وتتجلى في :


القول الأول

الذي اتفق عليه العلماء أنهم نفوا سماع الأموات للأحياء وهذا هو رأي السيدة عائشة وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ومال إلى هذا الرأي الشيخ الألباني في تحقيقه للآيات البينات في عدم قدرة سماع الأموات للأحياء، وقد رجح ذلك ابن باز وأيضاً ابن عثيمين وقد اعتمدوا على هذا الرأي على الأدلة التالية:

  • قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾، فقد اعتمد من كتب التفسير المعتمدة أن الموتى لا يسمعون في قبرهم فهم كالصم إذا ولوا مدبرين.
  • قوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾.
  • حديث قَليب بدر: والحديث أخرجه البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: “وقف النبي – صلى الله عليه وسلم – على قَليب بدرٍ فقال: ((هل وَجدتم ما وَعد ربُّكم حقًّا؟)) ثم قال: ((إنهم الآن يَسمعون ما أقولُ))، فذُكِر لعائشة فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنهم الآن يعلمون أنَّ الذي كنتُ أقول لهم هو الحق)) ثم قرأت: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}.

وقد ذهب فريق من أهل العلم من جهة أخرى بأن الموتى يسمعون في الجملة ولكنهم لا يسمعون في كل الأحوال، وهناك فريق آخر رأوا أن الموتى يسمعون في كل الأحوال ولكنهم لا يستطيعون الانتفاع بما يسمعونه، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن

الميت

يستطيع أن يسمع قرع نعال الناس عند دفنه، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن العبد إذا وُضِع في قبره، وتولَّى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم).

ووقف الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد ثلاثة أيام من معركة بدر على قتلى بدر من المشركين فنادى رجالاً منه، فقال: ((يا أبا جهل بن هشام، يا أُميَّة بن خلف، يا عُتبة بن ربيعة، يا شَيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعدكم ربُّكم حقًّا؟ فإني قد وَجدت ما وعدني ربي حقًّا)) فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، كيف يسمعوا؟ أنَّى يجيبوا وقد جيَّفوا؟! قال: ((والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا)) ثم أمر فسُحبوا، فألقوا في قَليب بدر، فإن بعض أهل العلم قد استدلوا بهذا الحديث على أن الموتى لديهم القدرة على أن يسمعوا، ومن العلماء الذين تبنوا هذا القول هم ابن جرير الطبري وابن قتية وغيرهما.[1]

هل الأموات يتزاورون ابن عثيمين

إن السؤال المطروح هنا بأن هل الأقارب من الموتى يتزاورون، فنجد أن بعض أهل العلم ذكروا أن الموتى المنعمين يتزاورون، مع العلم أن الأرواح تنقسم إلى قسمين وهما أرواح معذبة وأرواح منعمة، فالمعذبة فهي تكون مشغولة في العذاب ولا تستطيع التزاور والتلاقي، أما الأرواح المنعمة الغير محبوسة فهي تتلاقي وتتزاور بالإضافة إلى أنها تتذاكر أحداث الدنيا فيما بينهم.

وقد جاء في  حديث

أَبِي هُرَيْرَةَ

، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ، فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ، إِلَى رَوْحِ اللَّهِ، وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ، حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ، يَقْدَمُ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلُونَهُ: مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا، فَإِذَا قَالَ: أَمَا أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ

.. )، ولا يوجد علاقة لبعد المسافة ما بين القبور في التزاور والتلاقي، ونجد أن رأي الشيخ ابن عثيمين في هذا الأمر هو كالتالي:” ذكر بعض أهل العلم أن أرواح الموتى تتعارف وأنها تتزاور، ولا يحضرني في هذا دليل من القرآن أو من السنة. نعم.”.[2][3]

هل يرى الميت أهله بعد الموت

بناء على ما سبق واتفاق بعض العلماء بل معظمهم على أن الميت لا يمكنه أن يسمع صوت أحد إلا أنه يشعر بالطمأنينة عندما يزوره أحد في قبره، ويتعرف الميت على من يزوره من الأحياء إذا كان يعرفهم في الدنيا، وهذه بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على هذا:

  • روى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي الله صلى الله عليه وسلم : (ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا ، فسلم عليه ، إلا عرفه ورد عليه السلام ).
  • قال النبي صلى الله عليه وسلم :

    ( ما من رجل يمر بقبر

    الرجل

    كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ) ، والميت يعرف من يزوره ، ولهذا كانت السنة أن يقال : ( السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ) .

أما في أن تكون الزيارة محددة بيوم محدد كما يُقال أن الميت لا يتعرف إلى الحي إلا

يوم الجمعة

فلا يوجد دليل صريح من السنة النبوية أو من القرآن الكريم يثبت هذا الأمر، وإن تخصيص يوم الجمعة للزيارة لا وجه له، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( زوروا القبور فإنها تذكر الموت ).[4]