دلائل قبول التوبة وعلاماتها


دليل وعلامة قبول التوبة


إن من المعروف لدى العباد أن

الله

سبحانه وتعالى قد شرع لهم

التوبة

إلى الله والرجوع إليه ورغب هذا الأمر إليهم، وهو ما يتضح جلياً من الآيات القرآنية المتعددة التي ذكرت ذلك ومنها قول الله سبحانه وتعالى قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ في سورة الزمر.


فإذا كتب الله للعبد التوفيق بالهداية إلى التوبة، فينبغي أن يكون حال العبد بين الرجاء بقبول التوبة، والخوف من عقاب الله سبحانه وتعالى، فهو سبب لأن يغفر الله للعبد المذنب التائب

العائد

إلى ربه وأن يرحمه، لكن كل ذلك لا يمنع من أن تكون هناك علامة تدل على قبول الله للتوبة تؤنس قلب العبد بها.


ومن الممكن توضيح تلك العلامات والدلائل التي يستدل بها العبد لمعرفة الموقف من توبته لله، هل هي توبة مقبولة أم شابتها شائبة، ومن تلك العلامات:


  • الحرقة في

    القلب

    على ما وقع منه من الذنوب في حق الله، وأن ينظر إلى نفسه نظرة تقصير في حق الله وقدره.

  • أن يصبح العبد أكثر تجافي تجاه الذنب وعن أسبابه، وأن يبتعد بنفسه عن تلك الموارد.

  • أن يصبح أكثر ميل للأقبال على ربه وخالقه، كما ينظر إلى تيسير الله له بالتوفيق إلى التوبة باعتبارها من نعم الله العظيمة بل أنها من أعظم النعم عليه، فيفرح العبد بالتوبة، بل وأن يحافظ عليها ويخشى من زوالها، ويخاف عقوبة إن نكث وعاد إلى ذنوبه مرة أخرى.

  • أن يتقرب إلى أهل الخير والفضل، كما يبتعد عن أصحاب السوء ومن يكثر فيهم الشر، والذنوب والذين لا يعطون حق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

  • أن يستمر في الطاعات، وعلى طريق الاستقامة على دين الله سبحانه وتعالى.

  • ومن العلامات أيضاً، أن يوفق العبد لأداء الطاعات، فمن وجد أنه موفق لأداء الطاعات والقيام بعمل الخير وهو في هذا لا يبتغي إلا وجه الله تعالى، مخلصاً له فتلك بشرة خير، وهي من دلائل التوبة وعلاماتها أن ينال رضا الله عنه في هذا الحال ولكن يجب أن لا يأمن مكر الله بل عليه أن يسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه الثبات وحسن الخاتمة.

  • أن لا يرى من نفسه

    حب

    للمعاصي أو الإصرار عليها وعدم التوفيق لفعل الخير لأنه لو وجد العكس، من حب للمعصية كان من دلائل غضب الله عليه، فيجب بذلك أن يعود بتوبة نصوح لعل الله سبحانه وتعالى يوفقه إلى التوبة فيختم له بخير.

  • محبّة الله سبحانه وتعالى ومحبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم كذلك محبة المؤمنين، والإتيان بما يُظهر هذه المحبة.


ولكن ليس من علامات قبول التوبة أن تعود الأحوال التي زالت عن الشخص إليه، مثلاً من أذنب ذنب، ابتلاه الله بفقد عمله أو بقلة الرزق، فليس شرط قبول التوبة أن يعود حاله للسابق، بل قد يقبل الله توبته ولكن لا يبسط له في رزقه مثل ما كان أولا.


لذلك من المهم أن يتوب الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى ويعود إليه، فإن أعطاه الله له فذلك من أنعم الله عليه، وإن لم يرزق أو يعطي له فقد أنعم عليه من النعم الأخرى التي قد يكون غافل عنها، ناسياً لها وهي الصحة في البدن مثلا، وكذلك أيضاً نعمة

الإسلام

التي هي من أعظم النعم، ونعمة توفيق الله للعبد إلى التوبة، قال سبحانه وتعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } {النحل: 18}.


والتوبة إذا كانت بصدق فإن الله قد وعد بقبولها، قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } {الشورى: 25}، ويردّ الحقوق إلى أصحابها إن كانت تلك الحقوق قد تعلّقت في حق العباد، وأن يعود إلى الله ويتوب إلى ربه على الفور، فإن تأخير التوبة يعد من المعاصي، والتوبة تكون حينها من كلا من المعصية ومن التأخير في التوبة، ويُمكن للعباد أن يتوبوا توبةً عامةً عن ذنوبهم جميعها التي يعلمها الله والتي لا يعلمها، كذلك. [1]


كيف أعرف أن الله قبل توبتي من الزنا


إن الزنا لهو من أعظم

الكبائر

، والذنوب، والتي توعد الله سبحانه وتعالى مرتكبيها بالعقاب الشديد، في الدنيا والآخرة، لذلك فعلى العبد الذي يقع في الخطيئة أن يتوب إلى ربه ويسعى إلى مغفرة منه.


وعلى المذنب أن يعلم أن ثواب التوبة، البركة، بل والبركات الاي تنزل من السماء، والبركات التي حيط به من الأرض ظاهرة، وكذلك السعة في الأموال والأولاد، والبركة كذلك في الإنتاج وما يملك، والعافية أيضاً في الأبدان والصحة، والوقاية من الآفات، والأوبئة ، قال الله سبحانه تعالى عن نبي الله هود عليه

الصلاة

والسلام : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) هود/52


وإن ثواب التوبة

الحياة

الطيبة التي تكون في ظل الإيمان والقناعة والرضا والطمأنينة والسكينة وسلامة الصدر، قال الله تعالى : ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) هود/3.


ومن دلائل أن الله قبل توبة العبد من الزنا، أو من غيرها من الكبائر استقامة العبد على الحق والحذر من العودة إلى السيئات وفعل المعاصي، والكبائر، ومقدماتها والتي تاب منها، وعليه بحسن الظن بالله، والحذر من العودة إلى الذنوب والكبائر.


كما يجد أيضاً في نفسه صد ورفض وعدم قبول، للإقبال على فعل هذه الكبيرة مرة أخرى واستنكارها، وعظم شأنها في نفسه، واحتقار نفسه بسببها، والشعور بحرقة مما فعل.


الخوف من عدم قبول التوبة


على العبد الذي تاب أن يوقن أن التوبة تنهي كل شيء، ولا ينبغي للعبد أن توسوس نفسه أو يطيع الشيطان عدو الله في هذا التفكير والخوف أو في هذا الفكر تجاه التوبة والذي قد يضر المرء، ولكن يجب أن يعلم التائب أنه بحمد الله قد فاز فوزاً عظيماً بالتوبة الصادقة النصوح كما قال الله سبحانه وتعالى ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) [طه:82]، وقوله أيضاً سبحانه وتعالى في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ۝ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70]، يقول سبحانه وتعالى أنه يبدل سيئات المذنبون حسنات بسبب التوبة الصادقة والإيمان والعمل الصالح.


علامات صدق التوبة


إن التوبة من أعظم ما من الله به على عباده، فهو يدعوهم بالتوبة ليغفر لهم ذنوبهم، وإن من التوبة الصادقة أن يبتعد العبد عن أسباب المعصية، وأن يقطع السبيل الموصل لها، وأن يقبل على ربه، وأن يجتهد في إصلاح عبادته لتكون سبباً في صلاحه واستقامته، ومن الأمور التي تعين على صدق التوبة،

الاجتهاد

في تصحيح النية، والاهتمام بأعمال

القلوب

كالتوكّل والخوف والرجاء والشكر والرضا، والحرص على الصحبة الصالحة، وتجنب صحبة السوء والبيئة المليئة بالمعاصي والبعد عن اللهو، مع كثرة ذكر الموت ويوم القيامة وعذاب القبر، والتفكر في آيات الله و الدعاء لله. [2]