هل يجوز رد الدعاء لمن دعا لك بالشر

هل يجوز رد الدعاء لمن دعا عليك بالشر

في البداية يجوز رد الدعاء بالمثل فقط لمن دعا عليك بالشر دون وجه حق أنك بذلك تقتص لنفسك، على سبيل المثال إذا قال لك شخص قاتلك

الله

، فقلك له ” قاتلك الله” فأنت بذلك تقتص لنفسك”.

أما إذا دعوت وقلت مثلا قاتلك الله وأخزاك، فأنت بذلك زدت في الدعاء عليه وقد تقع في باب الظلم وهذا ما يجب أن يتجنبه المسلم.

لكن يجب أن تلاحظ إن الدعاء أمر في غاية الأهمية ويجب أن يأخذه المسلم دائمًا على محمل الجد، فقد أهلك الله تعالى أقوامًا بدعاء عباد له صالحين، مثل قوم نوح، فإذا دعا عليك إنسان بالشر فيجب أن تحذر من أن تكون قد ظلمته أما إذا لم تكن قد ظلمته أو سببت له أذى.

وإلا فلا داعي أن نشغل بالنا بتلك الدعوات لأن الأمر ليس متروك لهوى الناس بل هو بأمر المولى عز وجل الرحمن الرحيم العليم الخبير، وفي الحديث الشريف الذي

ورد

في صحيح مسلم عن النبي عليه

الصلاة

والسلام قال:”لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يارسول الله ما الاستعجال؟ قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء”.

والأفضل عدم رد هذا الدعاء لأن من يدعو عليك بالشر وأنت لم تؤذه فهذا ظلم وعدوان عليك، والمظلوم إذا ترك أمره لرب العالمين فإن الله لا تضيع عنده الحقوق ولا المظالم أبدًا.[1]

الدعاء بالشر على الظالم

إن

دعاء


المظلوم

مستجاب حتى لو كان هذا المظلوم فاجر أو كافر، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، والدعاء على شخص ظلمك أو قهرك أمر جائز.

وقد قال عز وجل في كتابه العزيز : ” لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم والله سميعًا عليما”، صدق الله العظيم، وجاء في تفسير تلك الآية الشريفة أن الله تعالى لا يحب أن يدعو إنسان على إنسان أخر إلا إذا كان هذا الإنسان الذي يدعو مظلومًا.

وقد يعجل الله تعالى للمظلوم بالإجابة وينصره وقد يؤخره ليوم القيامة، وحتى لو لم يدعو عليه فإن ظلم الظالم أقرب إليه من دعوة المظلوم.

ومن

قصص

السلف الصالح في دعوة المظلوم، ما ورد في صحيح مسلم أن امرأة تدعى أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد لمروان أنا كنت أخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له بن الحكم وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، من أخذ شبرًا من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين، فقال له مروان لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها، واقتلها في أرضها، فما ماتت أروى حتى ذهب بصرها، ثم بينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت ودفنت فيها، وفي رواية أنها كانت تسير عمياء في بيتها تلتمس الجدار وتقول أصابتني دعوة سعيد.[2]

وحتى إذا لم تدعو على الظالم  فإن له جزاء في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى في الحديث القدسي:” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا”.

كما ورد في الحديث الشريف: ” صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي إمام ظلوم وغشوم، وكل غال مارق”، كما قال تعالى : ” وما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع”، فالظلم سبب في حرمان الظالم من شفاعة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، كما أن المظلوم سيأخذ من حسناته يوم القيامة.

وحتى لا نقع في شبهة التجاوز في الدعاء على الظالم، يكفي أن نقول للظالم:” حسبنا الله ونعم الوكيل” فهذه الكلمة تعني التوكل على الله تعالى وحده في دفع الظلم.[3]

هل يجوز الدعاء على أبناء من ظلمني

إن الدعاء على أي إنسان لم يظلمك أو يسبب لك أذى هو ظلم لأبناء هذا الشخص الذين لم يأثموا في حقك، أما إذا كانوا قد شاركوا أبيهم في الظلم، فيجوز الدعاء على الظالمين بمقدار ظلمهم.

متى ترجع الدعوة على صاحبها

إن الحالات التي يجوز للإنسان فيها الدعاء على غيره، هي:

  • الكافر إذا يئست من هدايته وإذا كان يسبب أذى للمسلمين.
  • الدعاء على الظالم.

وفي تلك الحالات لأنك صاحب حق فلن ترد عليك الدعوة بالسوء.

أما الدعاء الذي يقول فيه الملائكة للداعي ولك بالمثل فهو من يدعو لأخيه المسلم بالخير، ويجب أن يدرك المسلم أن أي دعاء لا يرد من الملائكة له بمثله إلا بأمر من الله تعالى،وفي كل الأحوال يجب أن يتحرى المسلم عند الدعاء حتى لا يجور أو يظلم أخيه المسلم.

هل يمكن أن استغفر عن دعوتي

كثير من الناس يدعون على الآخرين في وقت الغضب ثم عندما يهدأ يشعر بالندم، ولذلك قال تعالى: ” ويدعو الإنسان بالشر دعائه بالخير وكان الإنسان عجولًا” فالإنسان قد يدعو على أهله وماله ولو أن الله تعالى استجاب له لأهلكه.

وفي حالة الدعاء على شخص ما في لحظة غضب يمكن أن تستغفر عن دعوتك، وترجع عنها وتقول يارب إني أخطأت وجهلت، وأيضًا تستغفر لهذا الشخص.

وقد ورد في الحديث الشريف أنه كانت عند أم سليم فتاة يتيمة، فلما رأها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أنت هييه لقد كبرت فلا كبرت لاكبر سنك، فرجعت اليتيمة إلى أم سليم وهي تبكي، فقالك أم سليم مالك يا بنية، فقالت الجارية: دعا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر سني، فالأن لا يكبر سني أبدًا، فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث حمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام، مالك يا أم سليم ، فقالت يارسول الله أدعوت على يتيمتي أن لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها؟

فقال عليه الصلاة والسلام يا أم سليم أما تعلمين أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد من أمتي دعوت عليه دعوة ليس بأهلها أن يجعلها له طهورًا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة”  صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فحتى النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف أنه يمكن أن يغضب فيدعو على أحد، ولذلك استغفر لمن دعا عليه بغير حق.