هل يرى الميت من يزوره عند قبره ويسمع حديثه

هل يرى الميت من يزوره عند قبره ويسمع حديثه

عالم البرزخ من عالم الغيب الذي لا سبيل إلى العلم بتفاصيله إلا من جهة

الخبر

الصادق والكتاب والسنة الصحيحة وقد جاء فيهما كثير من التفاصيل التي تتحدث عن ما يواجهه الإنسان بعد الموت ومن التفاصيل التي

ورد

ت في ذلك أن

الميت

يتعرف إلى من يزوره من الأحياء إذا كان يعرفهم في الدنيا وروى ذلك ابن عباس رضي

الله

عنهما عن النبي الله صلى الله عليه وسلم (ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه

السلام

) رواه ابن عبد البر في “الاستذكار”

كما أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد قال “أملت علينا فاطمة بنت الريان المستملي في دارها بمصر في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وقالت حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي قال حدثنا بشر بن بكير عن الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس به

وهذا إسناد صحيح إلا شيخ ابن عبد البر وفاطمة بنت الريان لم أقف لهما على ترجمة غير أن توثيقهما مستفاد من تصحيح ابن عبد البر نفسه لهذا الحديث إذ لا يمكن أن يصحح حديثا وهو لا يعرف من حدثه بها بالتوثيق وما زال علماء الحديث يوثقون الرواة إذا رأوا من يصحح الأسانيد التي ورد ذكرهم فيها، كما نقل ابن تيمية عن عبد الله بن المبارك ثبوت هذا الحديث فقال ” قال ابن المبارك ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم”

وكذلك صحح الحديث من المتأخرين الحافظ عبد الحق الإشبيلي والقرطبي في “المفهم” وابن تيمية في “مجموع الفتاوى” والعراقي في تخريج “إحياء علوم الدين”  والزبيدي في “شرح الإحياء” والسيوطي في “الحاوي” والعظيم أبادي في “عون المعبود” والشوكاني في “نيل الأوطار” وغيرهم

ومما يقوي هذا الحديث أيضا الآثار المتكاثرة الواردة عن السلف في هذا الباب حتى قال ابن

القيم


رحمه الله

“والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به ” ومثله يقول ابن كثير في “تفسير القرآن العظيم”

وقد جمع هذه الآثار الحافظ ابن أبي الدنيا في كتاب “القبور” تحت باب “معرفة الموتى بزيارة الأحياء ” والقرطبي في “التذكرة” كما جمعها الحافظ السيوطي في “شرح الصدور في أحوال الموتى وزيارة القبور” وأما العلماء المتأخرون فأكثرهم على تقرير هذا الوارد في كتب الأثر

يقول شيخ

الإسلام

ابن تيمية رحمه اللَّه “الروح تشرف على القبر وتعاد إلى اللحد أحيانا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من رجل يمر بقبر

الرجل

كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ) والميت قد يعرف من يزوره ولهذا كانت السنة أن يقال (السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين)

أما تخصيص الزيارة التي يتعرف بها الميت إلى الحي في

يوم الجمعة

فلا يثبت بدليل صحيح جاء ذلك في “حاشية نهاية المحتاج” وقوله (فيسلم عليه) أي في جميع أيام الأسبوع ولا يختص ذلك بالأوقات التي اعتيدت الزيارة فيها

وقوله (إلا عرفه ورد عليه السلام) فيه إشارة إلى أنه يؤدي إلى المسلم حقه ولو بعد الموت وأن الله تعالى يعطيه قوة بحيث يعلم المسلم عليه ويرد عليه ومع ذلك لا ثواب فيه للميت على الرد لأن تكليفه انقطع بالموت”

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله “تخصيص ذلك بيوم الجمعة لا وجه له فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) وثبت عنه أنه زار البقيع ليلا كما في حديث عائشة الطويل المشهور وعلى هذا فتخصيص معرفته للزائر بيوم الجمعة لا وجه له كذلك روى أصحاب السنن بسند صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح أنه (ما من رجل يسلم على مسلم يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام ) في أي وقت”[1]

حكم زيارة القبور والسلام على أهلها والدعاء لهم

الزيارة مشروعة له الرسول صلى الله عليه وسلم قال “زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة فالسنة زيارة القبور والسلام عليهم والدعاء لهم كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها، ويعلم أصحابه أن يزوروها، فالسنة أن تزور القبور وأن تسلم على أبيك، وتدعو له.

أما كونه يسمع كلامك أو يعلم هذا الله أعلم .. هذا إلى الله جل وعلا، ليس في هذا حديث صحيح يدل على أنه يسمع كلامك، أو أنه يعلم بزيارتك، لكن ينتفع بهذه الزيارة وينتفع بالدعاء إذا دعوت له في البيت أو في المسجد أو عند الزيارة أو في أي مكان والدعاء نافع فيه فائدة كبيرة والصدقة عنه كذلك والحج عنه والعمرة عنه والضحية عنه كل هذا شيء نافع يفيده أما كونه يعلمك ويسمعك هذا إلى الله، وجاء في بعض الأحاديث التي في سندها ضعف أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقال “ما من عبد يزور شخصًا كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام لكن هذا في صحته نظر” [2]

هل يمنع الشرع من زيارة الميت قبل مرور أربعين يوما من موته

لا حرج على المسلم في زيارة القبر في أي وقت وزيارة القبور من الأمور المستحبة لما فيها من تذكر الموت والآخرة والاعتبار والاتعاظ بحال من سبق والسلام على المؤمنين والدعاء لهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع ويقول “السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية” رواه مسلم.

وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم لزيارتها وعلل ذلك بتذكيرها الآخرة كما في صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال “كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها” وفي رواية “فإنها تذكركم الآخرة” رواها أحمد وصححها الأرناؤوط

ولا نعلم ما يخالف هذا إلا ما كان سابقاً من النهي المنسوخ بحديث مسلم، وبخصوص ما إذا كانت تجوز زيارتها قبل الأربعين فجوابه أن ذلك يجوز وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين بأن موضوع الأربعين لا أصل له حيث قال “أما بالنسبة لزيارة القبور بعد أربعين يوماً فهذا لا أصل له بل للإنسان أن يزور قريبه من ثاني يوم دفنه ولكن لا ينبغي للإنسان إذا مات له الميت أن يعلق قلبه به وأن يكثر من

التردد

على قبره، لأن هذا يجدد له الأحزان وينسيه ذكر الله عز وجل ويجعل أكبر همه أن يكون عند هذا القبر وربما يبتلى بالوساوس والأفكار السيئة والخرافات.

ولكن أهل العلم قد اختلف في زيارة

النساء

للقبور فجوزها الجمهور وسبب الخلاف فيها ما ثبت من لعنة الزوارات في حديث أبي هريرة رضي الله عنه “لعن الله زوارات القبور” رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة” رواه أحمد وصححه الأرناؤوط وقد ذكر الحاكم في المستدرك نسخ الحديث الأول بالثاني.[3]