لماذا قال المتنبي انا الذي نظر الاعمى الى ادبي ؟.. ما المناسبة للقصيدة

السبب في قول المتنبي “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي”

من أكثر الأبيات الشعرية الشهيرة التي قالها

المتنبي

هي “أنا الذي نظر

الأعمى

إلى أدبي، وأسمعت كلماتي من به صمم”، وهي التي تقوم بتوضيح مدى اعتزاز المتنبي بذاته وبأشعاره، وقد كان معتمدًا على استخدام التشبيه في توضيح هذه، من خلال قوله بأن أدبه يلفت نظر الكل وكلماته تدخل إلى أذن الأصم، ولم يقف المتنبي عند هذا الحد فقط ولكنه قال كذلك العديد من الأبيات الشعرية التي لها مكانة عالية في الأدب.

ومن الجدير بالذكر أن المناسبة التي قال فيها المتبني “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي”، هي أنه في أحد الأيام جاء أبو فراس الحمداني ودخل على الأمير سيف الدولة الحمداني ابن عمه، وقد كان على دراية بخلاف سيف الدولة الحمداني مع المتنبي، ثم جلس أبو فراس وقال لسيف الدولة: “إن ذلك المتشدق، يكثر من الإدلال عليك في

قصائد

ه، وأنت تقوم بمنحه ثلاثة آلاف دينار كل عام عن ثلاث قصائد فحسب، وتستطيع أيّها الأمير أن تمنح من تلك الثلاثة آلاف مئتي دينار لعشرين شاعرًا، فيقولون عنك خيرًا مما يقوله فيك”، وهكذا اقتنع سيف الدولة بما قاله أبو فراس وقام بتنفيذه، وحينها كان المتنبي متغيبًا عن ذلك المجلس، وحينما علم بما حدث، ذهب فورًا إلى سيف الدولة الحمداني، ودخل عليه في مجلسه، في حضرة أبي فراس، ثم قال قصيدته الشهيرة (واحر قلباه ممن قلبه شبم).

قصيدة واحر قلباه ممن قلبه شبم  كاملة

تلك القصيدة من

أشهر

ما قاله المتنبي، حيث اشتهر فيها أحد أبياتها الشعرية وهي “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي”، ومن الجدير بالذكر أنها تدل وتعبر عن مدى اعتزاز المتنبي وثقته الكبيرة بذاته، وهو ما استحقه المتنبي بالفعل، ولكن تلك الثقة الكبيرة بالنفس كانت هي السبب في مقتله، وفي التالي كلمات قصيدة واحر قلباه ممن قلبه شبم  كاملة: [1]

واحرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ

وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي

وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ

إن كانَ يَجمَعُنا حبٌّ لِغُرَّتِهِ

فليتَ أنَّا بِقَدْرِ الحبِّ نَقتسِمُ

قَد زُرتُهُ وسيوفُ الهندِ مُغمَدَةٌ

وقد نظرتُ إليه والسُيوفُ دَمُ

فَكانَ أحْسنَ خَلق

الله

كلِّهِمُ

وكانَ أحسنَ مافي الأحسَنِ الشِّيَمُ

فوتُ العدوِّ الذي يَمَّمْتُه ظَفَرٌ

في طيّه أسَفٌ في طيّه نِعَمُ

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصْطنَعَتْ

لكَ المهابةُ ما لا تَصنعُ البُهَمُ

ألزَمتَ نفسَكَ شيئاً ليس يَلْزَمُها

أن لا يوارِيَهمْ أَرضٌ ولا عَلَمُ

أكُلَّما رُمتَ جيشاً فانْثَنى هَرَباً

تَصرَّفَت بكَ في آثارِه الهِمَمُ

عليكَ هَزمُهُمُ في كلِّ مُعتركٍ

وما عليكَ بِهِمْ عارٌ إذا انهزَموا

أما تَرى ظَفراً حُلْواً سِوى ظَفَر

تَصافحَتْ فيه بيضُ الهِندِ واللمَمُ

يا أعدلَ الناسِ إلا في معامَلتي

فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخَصْمُ والحَكَمُ

أعيذُها نظراتٍ منكَ صادقةً

أن تَحْسبَ الشَّحمَ فيمَن شَحْمُهُ وَرَمُ

وما انتفاعُ أخي الدُّنيا بناظرِهِ

إذا استَوَت عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ

سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلسُنا

بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ

أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي

وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ

أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شوارِدِها

ويَسْهَرُ الخلقُ جرَّاها وَيَختَصِمُ

وجاهلٍ مدَّه في جهلِهِ ضَحِكي

حَتّى أتَتْه يدٌ فرَّاسةٌ وفَمُ

إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزةً

فَلا تَظُنَّنَّ أنَّ اللَيثَ يبتَسِمُ

وَمُهجةٍ مُهجتي مِن هَمّ صاحبها

أدركْتُها بجَوادٍ ظهرهُ حَرَمُ

رِجلاه في الرَّكضِ رجلٌ واليدانِ يدٌ

وفعلُه ما تريدُ الكفُّ وَالقَدَمُ

ومُرهَفٍ سِرتُ بين الجَحْفَلينِ بهِ

حتى ضَربتُ وموجُ الموتِ يَلتَطِمُ

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعْرِفُني

والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقَلمُ

صَحِبتُ في الفلواتِ الوحشَ مُنفرِداً

حتى تعجَّبَ مني القُورُ والأكَمُ

يا مَن يَعِزُّ علينا أن نُفارقهم

وِجْدانُنا كل شيءٍ بعْدَكُم عَدَمُ

ما كان أخلقنا منكم بتَكرمَةٍ

لو أنَّ أمرَكُمُ مِن أمرِنا أمَمُ

إن كانَ سرَّكمُ ما قال حاسدُنا

فما لجُرح إذا أرضاكُمُ ألَمُ

وبيننا لَو رعيتُم ذاك مَعرفةٌ

إن المعارِفَ في أهلِ النُّهى ذِمَمُ

كَم تَطلُبونَ لنا عيباً فَيُعجِزُكُم

وَيَكرَهُ اللهُ ما تأتونَ والكَرَمُ

ما أبعدَ العيبَ وَالنقصانَ عن شَرَفي

أنا الثُّريا وذانِ الشيبُ والهَرَمُ

ليتَ الغمامَ الذي عندي صواعقُهُ

يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عندَهُ الدِّيَمُ

أرى النَّوى يَقتضيني كلَّ مرحلَةٍ

لا تَستقلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ

لئنْ تَرَكْنَ ضميراً عن ميامِنِنا

ليَحْدُثَنَّ لِمَنْ وَدَّعتُهم نَدَمُ

إذا ترحَّلتَ عن قومٍ وقد قدَروا

ألا تُفارِقهُمْ فالرَّاحلونَ هُمُ

شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ بهِ

وشرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ

وشرُّ ما قنَّصَتْه راحتي قَنَصٌ

شُهْبُ البُزاةِ سواءٌ فيه والرَّخَمُ

بأي لفظٍ تَقولُ الشعرَ زِعْنِفَةٌ

تَجوزُ عندَك لا عُرْبٌ ولا عَجَمُ

هذا عتابُكَ إلّا أنَّهُ مِقَةٌ

قد ضُمِّنَ الدُرَّ إلّا أنَّهُ كَلِمُ

معلومات عن المتنبي

هو “أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي أبو الطيب المتنبي”،  أحد الشعراء الذين تمتعوا بالحكمة والعقل، كما كان واحدًا من مفاخر الأدب لدى العرب، وله الكثير من الأمثال الشهيرة، المعاني المبتكرة والحكم البالغة، كان مولده في الكوفة في منطقة اسمها “كندة”، وإليها تم نسبته، ثم نشأ المتنبي في الشام، وبعدها تنقل بالبادية طالبًا الأدب وتعلم العربية وأيام الناس، وبدأ في قول الشعر وهو صبي، ثم وفد إلى سيف الدولة الحمداني عام 337 هجريًا، وقام بمدحه لذا حظي بمكانة عالية عنده، ومضى لمصر مادحًا كافور الإخشيدي ثم طلب منه أن يوليه، ولكن لم يوافق كافور فغضب المتنبي وانصرف يهجوه. [2]

هل مات المتنبي بسبب بيت شعر

في الكثير من الأوقات والمواد الدراسية نجد أن أحد الأبيات الشعرية التي قالها المتنبي تتردد باستمرار، وهو “الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ”، ولكن العديد ممن يسمعونه لا يدركون أن هذا البيت كان السبب وراء مقتله، إذ حينما كان المتنبي في طريقه للعودة إلى الكوفة بصحبة ابنه (محسد)، قابل عدد من قطاع الطرق، والذين تربصوا به هم ورئيسهم (فاتك ابن أبي جهل الأسدي)، الذي قام المتنبي بهجاء ابن اخته ضبه في والدته بالخطأ، وهذا ما جعل الأسدي يقرر الانتقام منه، فأخذ رجاله وانتظر المتنبي في الطريق، وفور أن مر المتنبي بهم قام بمهاجمته وقتل ابنه، وعندما حاول المتنبي الهروب، قال له غلامه مفلح: كيف تهرب وأنت من قلت: “الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم”، فقال له المتنبي: “لقد قتلتني قتلك الله”، ثم عاد المتنبي للقتال مرة أخرى إلى أن تم قتله.

ولهذا قد اشتهر هذا البيت كثيرًا بين الأشخاص بأنه البيت الذي تسبب في قتل صاحبه، إذ أن المتنبي نتيجة لكثرة اعتزازه بذاته وتكبره قام بقول ذلك البيت في شخصه، وعندما فكر في الهرب ذكره الغلام بقوله، فانتظر المتنبي ولم يهرب وينجو بروحه نتيجة تعاليه، لأنه خشى أن يراه الناس ضعيفًا، ومات المتنبي إلا أن شعره لم يمت معه بل ما زال يترأس الأدب العربي.