إنما الغي أن يكون رشيدا – الشاعر البحتري

إنّما الغَيّ أنْ يكونَ رَشيدَا،
فانقِصَا مِنْ مَلامِهِ، أوْ فَزِيدَا
خَلّيَاهُ وَجِدّةَ اللّهْوِ، ما دا
مَ رِداءُ الشّبابِ غَضّاً جَديدَا
إنّ أيّامَهُ مِنَ البِيضِ بِيضٌ،
ما رَأينَ المَفارِقَ السّودَ سُودَا
أيّها الدّهرُ! حَبّذا أنتَ دَهراً،
قِفْ حَميداً، وَلا تُوَلّ حَميدَا
كلَّ يَوْمٍ تَزْدادُ حُسناً فَما تَبْـ
ـعَثُ يَوْماً، إلاّ حَسِبناهُ عِيدَا
إنّ في السّرْبِ، لوْ يُساعفنا السّرْ
بُ، شُموساً يَمشينَ مَشياً وَئيدَا
يَتَدافَعْنَ بالأكُفّ وَيَعْرِضْـ
ـنَ عَلَيْنَا عَوَارِضاً وَخُدُودَا
يَتَبَسّمْنَ عَنْ شَتيتٍ أرَاهُ
أُقْحُوَاناً مُفَصَّلاً، أوْ فَرِيدَا
رُحْنَ، وَاللّيْلُ قَدْ أقامَ رُوَاقاً،
فأقَمْنَ الصّبَاحَ فيهِ عَمُودَا
بمَهَاةٍ مِثْلِ المَهَاةِ أبَتْ أنْ
تَصِلَ الوَصْلَ، أوْ تصُدّ الصّدودَا
ذاتِ حُسنٍ لوِ استَزَادَتْ من الحسـ
ـنِ إلَيهِ، لَمَا أصَابَتْ مَزِيدَا
فهيَ الشّمسُ بهجةً، وَالقضِيبُ الغضّ
ليناً، وَالرّئْمُ طَرْفاً وَجِيدَا
يا ابنَةَ العامريّ! كَيفَ يَرَى قَوْ
مُكِ عَدْلاً أنْ تَبخلي، وَأجودَا
إنّ قَوْمي قَوْمُ الشّرِيفِ قَديماً،
وَحَديثاً، أُبُوّةً وَجُدُودَا
وَإذا ما عَدَدْتُ يَحيَى، وَعَمراً،
وَأبَاناً، وَعَامِراً، وَالوَليدَا
وَعَبيداً، وَمُسْهِراً، وَجَدِيّاً،
وَتَدُولاً، وَبُحْتُراً، وَعَتُودَا
لمْ أدَعْ مِنْ مَناقبِ المَجْدِ ما يُقْـ
ـنِعُ مَنْ هَمّ أن يكونَ مُجيدَا
ذَهَبَتْ طَيِّءٌ بسابقَةِ المَجْـ
ـدِ عَلى العَالَمِينَ بَأساً وَجُودَا
مَعْشَرٌ أمسَكَتْ حُلُومُهُمُ الأرْ
ضَ وَكادتْ من عزّهم أن تَميدَا
نَزَلوا كاهلَ الحِجازِ، فأضْحَى
لَهُمُ ساكِنوهُ، طُرّاً، عَبيدَا
مَنْزِلاً قارَعُوا عَلَيْهِ العَمَاليـ
ـقَ، وَعاداً في عزّها وثَمُودَا
فإذا قُوتُ وَائِلٍ وَتَميمٍ
كانَ، إن كانَ، حَنظلاً وَهبيدَا
ظَلّ وِلْدانُنَا يُغَادُونَ نَخْلاً،
مُؤتِياً أُكْلَهُ، وَطَلعاً نَضِيدَا
بَلَدٌ يُنْبِتُ المَعَالي فَمَا يَـ
ـثّغِرُ الطّفْلُ فيهِ حَتّى يَسُودَا
وَلُيُوثٌ مِنْ طَيِّءٍ، وَغُيُوثٌ
لَهُمُ المَجْدُ طارِفاً، وَتَلِيدَا
فإذا المَحْلُ جَاءَ جَاءوا سُيُولاً؛
وَإذا النّقعُ ثَارَ ثَارُوا أُسُودَا
يَحسُنُ الذّكرُ عَنهُمُ وَالأحاديـ
ـثُ إذا حَدّثَ الحَديدُ الحَديدَا
في مَقَامٍ تَخُرُّ في ضَنْكِهِ البِيـ
ـضُ عَلى البِيضِ رُكَّعاً وَسُجُودَا
مَعشَرٌ يُنجِزُونَ بالخَيْرِ وَالشّرّ
يَدَ الدّهْرِ مَوْعِداً وَوَعيدَا
يَفْرِجُونَ الوَغَى، إذا ما أثَارَ الـ
ـضّرْبُ من مُصْمَتِ الحَديدِ صَعيدا
بوُجوهٍ تُعشِي العّيون ضِيَاءً؛
وَسُيوفٍ تُعشِي الشموسَ وُقودَا
عَدَلوا الهَضْبَ، منْ تِهامَةَ، أحلا
ماً ثِقالاً، وَرَمْلَ نَجدٍ عَديدَا
ملَكوا الأرْضَ قبلَ أنْ تُملَكَ الأرْ
ضُ، وَقادوا في حافَتَيها الجُنودَا
وَجَرَوْا عند مَوْلدِ الدهر في السؤ
دد والمَكرُماتِ شأواً بَعيدَا
فَهُمُ قَوْمُ تُبّعٍ خَيرُ قَوْمٍ،
وكفى الله بالفَخَارِ منهم شَهيدَا
بمَساعٍ مَنظُومَةٍ ألبَسـ
ــتهُنّ الليالي قَلائِداً وَعُقُودَا
عبد شمس شمس العريب أبونا
ملك الناس واصطفاهم عبيداً
وطىء السهل والحزونة بالأبـ
ـطال شعثا والخيل قبا وقوداً
وأبو الأنجم التي لا تني تجـ
ـري على الناس نحساً وسعودا
سائلِ الدّهرَ مُذْ عرَفناهُ هل يَعْـ
ـرِفُ مِنّا إلاّ الفَعَالَ الحَميدَا
قَد لَعَمرِي رُزْناهُ كَهلاً وَشَيخاً،
وَرَأيْنَاهُ نَاشِئاً وَوَلِيدَا
وَطَوَيْنَا أيّامَهُ وَلَيَاليـ
ـهِ على المَكرُماتِ بِيضاً وَسُودَا
لمْ نزَلْ قطّ مُذْ ترَعرَعَ نَكْسُو
هُ نَدًى لَيّناً، وَبَأساً شَديدَا
فَهوَ مِنْ مَجدِنا يَرُوحُ وَيَغدُو
في عُلًى، لا تَبيدُ، حتّى يَبيدَا
نحنُ أبْنَاءَ يَعْربٍ أعْرَبُ النّا
سِ لِساناً، وَأنضَرُ النّاسِ عُودَا
وَكَأنّ الإلَهَ قَالَ لَنَا في الـ
ـحرْبِ: كونوا حِجارَةً أوْ حديدَا