مفهوم الوطنية في الإسلام

الوطنية

يظن كثيرٌ من النّاس أنّ هناك تعارضٌ بين الوطنيّة والإسلام، ولا شكّ أنّ هذا الظنّ أو الاعتقاد عائدٌ إلى ما علق بأذهان النّاس من تفسيراتٍ خاطئة لمفهوم الوطنيّة وما يتعلّق بها من مظاهر وتعبيرات، فما هي مفهوم الوطنيّة بشكلٍ عام؟ وما هي نظرة الإسلام للوطنيّة؟

مفهوم الوطنيّة

يشير مفهوم الوطنيّة إلى ذلك الانتماء العاطفيّ والوجدانيّ الذي يحمله الإنسان في قلبه اتجاه وطنه ويعبّر عنه بأشكال مختلفة من السّلوك الإنساني، وما يصنع هذا الإحساس الوجداني هو ميلاد النّاس في هذه الأرض التي يعتبرنها وطناً لهم، ونشأتهم فيها بكلّ ما تحمله هذه النّشأة من معاني جميلة في الحياة، ففي هذا الوطن ذكريات الإنسان الأولى، وفي هذا الوطن يستشعر الإنسان كرامته ويبني آماله وطموحه، ويحقّق أحلامه، وينال حقوقه.

مفهوم الوطنيّة في الإسلام

لا تتعارض قيم الإسلام مع تلك الفطرة الإنسانيّة، والمشاعر الوجدانيّة التي يحملها الإنسان اتجاه وطنه، بل إنّ الإسلام ليؤكّد على أهميّة الوطن وأنّ محبته هي فطرة إنسانيّة، ففي القرآن الكريم نجد كثير من الآيات التي تدلّ على الوطنيّة وحبّ الأوطان والانتماء لها، فقد أذن الله تعالى للمسلمين بالحرب والقتال في سبيله لعدّة أسباب كان من بينها إخراج الكفّار لهم من أوطانهم، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ )[الحج: 39،40]، كما ندرك الوطنيّة في كلام النّبي عليه الصّلاة والسّلام حينما خرج من مكّة المكرّمة حينما أناخ راحلته ونظر إلى موطنه وهو يقول: (والله أنّك لأحبّ البلاد إليّ، وأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أنّ قومك أخرجوني منك ما خرجت أبداً)، فكانت تلك المشاعر النّبويّة هي تعبيرٌ صادق عن الوطنيّة الحقّة .

نظرة الإسلام إلى مفهوم الوطنية الخاطئة

لا شكّ أنّ مفهوم الوطنيّة في الإسلام يختلف اختلافاً بيّناً عن مفهوم الوطنيّة عند أصحاب الأجندات الضّيّقة، فهم يفهمون الوطنيّة بالشّعارات والهتافات الزّائفة، ولا يرون أوطانهم إلاّ بمنظور الخرائط المرسومة التي صنعها الاستعمار، بينما الوطنيّة في الإسلام هي عقيدة فكريّة، ونزعة إنسانيّة تزيد من ارتباط الإنسان بدينه، وتحمّله على بذل المزيد من الجهد من أجل تعمير بلده، والقيام بجميع المسؤوليّات الملقاة على عاتقه، وبناء المجتمع الإسلامي المتآخي المتكافل البعيد كلّ البعد عن الشّحناء والبغضاء والتّدابر، والذي يستشعر كلّ فردٍ فيه أنّه جزءٌ من الوطن الإسلامي الكبير الذي يجمعه قاسم الدّين والتّاريخ والحضارة المشتركة.