طرق البحث في علم النفس

البحث العلميّ

اعتمد الإنسان قديماً على طرق التفكير الخرافي المبنيّ على الأوهام والخرافات؛ حيث ضاعت المعرفة والعلم في عالم من الخيال والميتافيزيقا، بالإضافة إلى محدوديّة الشغف البشريّ في تقصي الحقائق والحصول عليها وفهمها، واستمرّت المعرفة في تدنٍّ مستمر إلى أن بدأ الانسان باستخدام الأساليب العلميّة لمعرفة جميع أنواع الظواهر المختلفة وتفسيرها، وكان ذلك بالاعتماد على الخبرات الحسيّة والمعرفيّة وتوظيفها واستعمالها بشكل سليم في جميع مظاهر الحياة الذاتيّة الخاصة ومظاهر الحياة العامّة، وما تتضمّنه من الجوانب الحياتيّة المختلفة، مثل: الصحة، والبيئة، والاقتصاد. ومن الممكن تعريف البحث العلميّ بشكل عام بأنّه الطريقة العلميّة والتجريبيّة الدقيقة لتقصّي الحقائق والمعارف بأسلوب منظّم ودقيق، يقوم بها الفرد بهدف الكشف عن معلومات ومعارف جديدة، أو تطوير المعلومات الموجودة بشكل سابق وتنقيحها، ويكون هذا باستخدام خطوات منهج البحث العلميّ.[١][٢]

البحث العلميّ في علم النفس

تندرج البحوث التربويّة والنفسيّة ضمن الأبحاث السلوكيّة، ويعود ذلك بشكل أساسيّ باعتبار أنّ موضوعها هو الإنسان وأنماطه السلوكيّة العامة والمختلفة، أمّا طبيعة هذه البحوث فهي على نوعين؛ أوّلهما الأبحاث النظريّة البحتة التي تساعد على تنمية المعرفة الأساسيّة، والنوع الثاني هو البحوث التطبيقيّة والتجريبيّة التي تظهر أهميّتها في قيمتها في الحياة العمليّة، وحول فاعليّة هذه الأنواع فقد كان بعض العلماء يرون أنّ البحوث النفسيّة هي بحوث تجريبيّة إلى حد واضح ولا تعطي الجانب النظري قيمة كبيرة، إلا أنّ رفع مستوى كفاءة ونوعيّة هذه البحوث لا ينحصر بالجانب العملي التطبيقي فقط؛ فالتطبيق الدقيق والناجح يكون على أساس الفهم النظري العميق والصحيح لكافة المعطيات الخاصة بظاهرة ما.[٣]

طرق البحث في علم النفس ومناهجه

يجب على الباحث في جميع أنواع البحوث العلميّة الحصول على الكفاية المعرفيّة بأنواعها؛ ليستطيع توظيفها بشكل مناسب وملائم لخدمة أهدافه وأغراضه البحثيّة، وحتّى تناسب طريقة ومنهج البحث الذي سيسلكه مع موضوع بحثه، ولا يختلف الأمر عنه في البحوث النفسيّة؛ حيث إنّ لكلّ ظاهرة سلوكيّة معيّنة الأسلوب الأنسب والأمثل لدراستها والبحث عنها،[٤] ومن أهمّ المناهج والطرق البحثيّة في علم النفس ما يأتي:

المنهج الذاتيّ

يُعدّ المنهج الذاتيّ أو التأمليّ من أقدم الطرق البحثيّة في علم النفس والفلسفة، وأكثرها بدائيّة، وأقلّها اعتماداً على العلم؛ حيث يستخدم هذا المنهج إستراتيجيات الملاحظة الداخليّة للخبرات الحسيّة والانفعاليّة والعقليّة، أو التأمل الباطنيّ؛ فالفرد يُلاحظ ما يجول في داخله بالوصف والتحليل، فينعكس ذلك على مشاعره ويُصبح إحساساً بالإحساس، وهو ما يُسمّى بالاستبطان أو التأمّل الباطنيّ.[٤]

وقد واجه هذا المنهج الكثير من الانتقادات؛ إذ عارضته بعض مدارس علم النفس كالمدرسة السلوكيّة باعتباره منهجاً غير علميّ؛ كونه يدرس الحالات الشعوريّة التي لا يشعر بها إلا صاحبها الذي قد يكون مُفتقراً لمهارات الوصف والتحليل، بالإضافة إلى أنّ الشخص المُلاحِظ هو ذاته الشخص الذي تتمّ ملاحظته، ويظهر بذلك أنّ المنهج الذاتيّ تطغى عليه الصبغة الفرديّة بشكل واضح، لذا لا يُمكن تعميمه، إلا أنّه من غير الممكن أن يستغني الباحث عنه أثناء القيام بالأبحاث التجريبيّة، فمثلاً: دراسة بعض الحالات قد تتطلّب من الفرد أن يصف ما يشعر به، وحتّى في الأنشطة الاستبيانيّة والاستفتاءات التي تدرس ميول الأفراد، واتجاهاتهم، وأحاسيسهم تجاه خبرات معيّنة.[٤]

المنهج التجريبيّ

المنهج التجريبيّ هو المنهج الذي يهدف إلى التأكد من فرضيّة نظريّة معينة؛ عن طريق مقارنة معطياتها بالمعطيات الموضوعيّة التي يتم الحصول عليها من عمليّة التطبيق العملي في الواقع الحياتي للأفراد، وهدف البحوث التجريبيّة النفسيّة هو ضبط الأسباب التي تؤدي إلى حصول ظاهرة سلوكيّة معينة، سواءً تعلّقت هذه المسببات بالفرد أو الكائن الحي بشكل عام أو المتغيرات التي تحيط به، وبذلك تتم الاستفادة من دراسة جميع الاستجابات السلوكيّة واللفظيّة والحركيّة التي تظهر على الفرد؛ وذلك بإخضاعه للمتغيرات المُراد فهمها أو التأكد من تأثيرها عليه، ويظهر بذلك أن البحوث التجريبيّة تعتمد على الملاحظة المقصودة والمدروسة للفرد، وكلّ ما يصدر عنه من سلوكيات تحت ظروف معينة يضعها الباحث بشكل دقيق؛ لاختبار صحّة الفرضيات، والحصول على العلاقات السببيّة الصحيحة.[٥]

المنهج الوصفيّ

يتّصف المنهج الوصفيّ بأنّه يصف الظواهر بأسلوب موضوعي، معتمداً على البيانات المَقيسة باستخدام أدوات البحث العلميّ وتقنياته، الأمر الذي جعل من هذا المنهج شديد الأهميّة والتطور، ومن المعلوم أنّ نشأة هذا المنهج بدأت مع بداية المسوح الاجتماعيّة في إنجلترا، وفرنسا، ودراسات الأنثروبولوجيا في أمريكا، ويعتمد المنهج الوصفيّ في مبدئه على تفسير الظواهر عن طريق تحليل خصائصها، ودراسة التوافقات البينيّة، والعلاقات بين تلك الخصائص والأبعاد؛ ليتحصل على وصف علميّ دقيق لها.[٦]

ويعتمد المنهج الوصفيّ على جمع المشاهدات والبيانات، واستنباط الحقائق منها، ومقارنتها، ثمّ تصنيفها وتحليلها وتفسيرها؛ بهدف وضع تعميمات علميّة مقبولة عن تلك المشاهدات، ولا يقتصر هذا المنهج على حالة معيّنة أو منهج واحد، فقد تعدّدت أنواع البحوث التي استعملته في إجراء دراساتها، ومن أبرز هذه البحوث ما يأتي:[٦]

  • دراسة الحالة: تُطبَّق دراسة الحالة في العديد من المجالات العلميّة المختلفة؛ حيث تُتناوَل الحالة المُراد دراستها بالطرق الوصفيّة، وغالباً ما تكون هذه الحالة شخصاً، أو جماعةً، أو مؤسسةً، وتختلف مجالات الدراسات باختلاف المجال الذي يختصّ به الباحث، والأهداف البحثيّة التي يسعى إليها.
  • المسح الاجتماعيّ: تُعدّ هذه البحوث من أكثر أنواع البحوث مساهمةً في تطوّر دراسات العلوم الاجتماعيّة العلميّة؛ حيث ساهمت في وضع أُسُس المنهجيّة العلميّة وقواعدها؛ لتعبّر عن الظواهر الاجتماعيّة تعبيراً كميّاً باستعمال أدوات البحث العلميّ المنهجيّة.

المراجع

  1. عبد الباقي أحمد، رقيّة العباس، مبادئ مناهج البحث العلمس، السودان: جامعة الخرطوم- قسم علم النفس، صفحة: 4. بتصرف.
  2. ماثيو جيدير، منهجيّة البحث، صفحة: 14. بتصرف.
  3. جابر جابر، أحمد كاظم، مناهج البحث في التربية وعلم النفس، صفحة: 39-43. بتصرف.
  4. ^ أ ب ت حلمي المليجي (2001)، مناهج البحث في علم النفس (الطبعة الأولى)، لبنان-بيروت: دار النهضة العربيّة، صفحة: 9-11. بتصرف.
  5. “مناهج بحث في التربيّة وعلم النفس”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2018. بتصرف.
  6. ^ أ ب ماثيو جيدير، منهجيّة البحث، صفحة: 100-102. بتصرف.