شروط الإحرام

مفهوم الإحرام والحكمة منه

يُعرَّف الإحرام في اللغة بأنّه: الدخول في الحُرمة، أحرم الرجل: أي دخل في حُرمة عهدٍ، أو ميثاق، أو دخل في الحرمَ، أو البلد الحرام، أو الشهر الحرام، فوجب عليه الامتناع عن أمور عدّة كانت حلالاً له قبل ذلك،[١][٢] أما الإحرام في الاصطلاح الشرعيّ لدى المذاهب الأربعة، فيُعرَّف على أنّه:

  • جمهور الفقهاء: ذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أنّ الإحرام يعني النيّة في دخول النُّسك، وقال المالكيّة إنّه صفة حُكميّة تُوجِب حُرمة مُقدِّمات الوطء بشكل مُطلق، والطِّيب، ولبس المخيط للرجال، وغيرها من الأمور.[١][٣]
  • الحنفيّة: وقد ذهبوا إلى أنّه يعني التزام حُرمات مخصوصة، والدخول فيها، بشرط تحقُّق النيّة والذِّكر.[٣]

وتكمن الحكمة من مشروعيّة الإحرام في تضمُّنه العديدَ من الحِكَم، والتي تمثّل أبرزها تحقيق العبوديّة لله -عزّ وجلّ-، والخضوع لعظمته، بالإضافة إلى امتثال أوامره -تعالى-، كما أنّه يُظهر المساواة التي أقرَّها شرع الله -تعالى-؛ إذ تختفي الفوارق بين الحاكم والمحكوم، والغنيّ والفقير، والعربيّ والأعجميّ، ولا يخفى ما للإحرام من أهمّية في تذكُّر المؤمن الحشرَ، ويوم القيامة.[١]

شروط الإحرام

تعدّدت آراء العلماء في شروط الإحرام، وبيانها على النحو الآتي:

  • الإسلام: إذ اتّفق العلماء جميعهم على أنّ الإسلام شرط من شروط الإحرام لا يصحّ إلّا به.[٤]
  • النيّة: فقد اتّفق العلماء على اشتراط النيّة لصحّة الإحرام،[٤] وذهب العلماء إلى أنّ الحجّ يقع إن أطلقَ الحاجّ النيّة، ولم يكن قد حجَّ سابقاً، واتّفقوا على أنّ النيّة الخاصّة بنُسك الفرض لا يُشترَط فيها تعيين كونه فرضاً، وإن كانت النيّة خاصّة بنُسك النَّفل، فإنّها تقع عمّا نوى عليه صاحبها، وذهب إلى ذلك الحنفيّة في المعتمد عندهم، والمالكيّة، وفي رواية عند أحمد، وقال به ابن المنذر، وسفيان الثوريّ، بَينما ذهب الشافعيّة، والحنابلة إلى أنّ مَن أحرمَ بالنَّذْر، أو النافلة ولم يكن قد حَجّ، فإنّه يقع عن حجّ الفرض، وقال بهذا أيضاً ابن عمر، وأنس، كما أنّهم ذهبوا إلى أنّ من أحرمَ حاجّاً عن غيره ولم يكن قد حَجّ عن نفسه، فإنّ حجّته تكون عن نفسه، وعليه أن يُعيدَ ما أخذَه من غيره، وقال بهذا أيضاً الأوزاعيّ،[٥] وتجدر الإشارة إلى أنّ النيّة مَحلُّها القلب، ولا يصحّ الحجّ ولا العمرة إلّا بها.[٦]
  • التلبية: ذهب الحنفية إلى أنّ التلبية أو ما يقوم مَقامها، كالتسبيح، والتهليل، تُعَدّ شرطاً لصحّة الإحرام أيضاً، ووواجباً عند المالكيّة أيضاً، فإذا تُرِكت فلا بدّ من الهَدي إلّا إذا انعقد الإحرام بدونها من فعل أو قول متعلّق به، بينما ذهب الإمامان؛ الشافعيّ، وأحمد بن حنبل إلى أنّها سُنّة في اتِّصالها بالإحرام، وهي كما أوردها ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ قال: (كانتْ تَلبيةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَريكَ لك لَبَّيْكَ، إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لكَ، والمُلْكَ لا شَريكَ لكَ)،[٧] وقد أجمع العلماء على استحباب الاقتصار على الثابت مرفوعاً إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، فيما اختلفوا في الزيادة؛ فذهب أبو حنيفة، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل إلى أنّه لا بأس في الزيادة التي في الحديث الذي أورده نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، إذ قال: (انَ عبدُ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه يَزِيدُ مع هذا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بيَدَيْكَ لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ)؛[٨] واستدلّوا بأنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يسمع الناس يزيدون، فلا ينكر عليهم ذلك، ممّا يدلّ على جوازها، بينما قال مالك، وأبو يوسف، والطحاويّ أنّ الزيادة على الصيغة أمر مكروه.[٩]

أمّا مَن أراد الحجّ، أو العمرة، فإنّ عليه إذا ما وصل إلى الميقات أن يتجرَّد من ملابسه، فيُنظِّف نفسه، ويغتسل، ويتطيّب، ويرتدي كلّاً من الإزار والرداء؛ والإزار لباس يُغطّى به النصف الأسفل من الجسد، فإن لم يجده، فإنّه يلبس السروال، بينما يُغطّي الرداء النصف الأعلى من الجسد في ما عدا الرأس، بالإضافة إلى أنّه يرتدي نعلَين في قدمَيه، فإذا لم يجدهما، فلا بأس في ارتداء الخُفَّين؛ وذلك للحديث الوارد عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، إذ قال: (نَهَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَلْبَسَ المُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بزَعْفَرانٍ أوْ ورْسٍ. وقالَ: مَن لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ)،[١٠][٦]

ويجدر بالذِّكر أنّ إحرام المرأة لا يختلف عن إحرام الرجل، إلّا أنّه يُباح لها ارتداء المَخيط من اللباس، بالإضافة إلى عدم التجرُّد، وتجنُّب ارتداء النِّقاب والقفّازين؛ لنَهي الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك؛ إذ قال: (ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ)،[١١] ويجوز للمرأة أن تُسدل الغطاء على وجهها إذا كان الرجال قريبين منها، ومن الجدير بالذِّكر أنّ صلاة ركعتَين في ميقات الإحرام قبل ارتداء ملابس الإحرام يُعَدّ أمراً مَسنوناً عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ صلّى في ميقات ذي الحُليفة، ثمّ أحرمَ؛ للحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-؛ إذ قال: (كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ).[١٢][٦]

حكم الإحرام

يرى علماء المذهب الحنفيّ أنّ الإحرام شرطٌ من شروط صحّة الحجّ ابتداءً؛ ولذلك صَحّ أن يسبق أشهر الحجِّ مع الكراهة، وهو رُكنٌ عند انتهاء الحجّ؛ بحيث لا يجوز البقاء عليه إلى السنة اللاحقة لِمَن فاتَه الحَجّ، في حين ذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أنّ الإحرام رُكنٌ من أركان الحجّ، واستدلّوا في ذلك بقول الله -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)،[١٣]فالإخلاص يعني النيّة، وهي من أعمال القلوب؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ).[١٤] فصحّة العمل مُرتبطة بالنيّة، وقد أجمع العلماء على أنّها فرضٌ من فروض الحجّ وغيره من مَقاصد العبادات،[٩][١٥] أمّا العمرة؛ فيرى الإمام مالك أنّ الإحرام رُكنٌ من أركانها،[١٦] وذهب إلى ذلك الإمام الشافعيّ،[١٧] في حين يرى الإمام أحمد بن حنبل أنّه على الرغم من كونه رُكناً من أركان العمرة في الأصل، إلّا أنّه واجبٌ في الميقات،[١٨] أمّا الإمام أبو حنيفة فيرى أنّ الإحرام شرطٌ من شروط صحّة العمرة، وكيفيّة الإحرام في العمرة ككيفيّة الإحرام في الحجّ.[١٩]

المراجع

  1. ^ أ ب ت “تعريفُ الإحرامِ، وحُكْمُه، والحِكْمَةُ منه”، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2020. بتصرّف.
  2. “تعريف و معنى الاحرام في قاموس المعجم الوسيط”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب إيمان بنت محمد القثامي (12-7-2014)، “الإحرام تعريفه وحكمه”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2020. بتصرّف.
  4. ^ أ ب محمود خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)، القاهرة: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 55-56، جزء 9. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 130، جزء 2. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت عبدالله الخياط (1413هـ )، ما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه (الطبعة الثالثة)، السعودية: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 95-96. بتصرّف.
  7. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 5508، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1184، صحيح.
  9. ^ أ ب محمود خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)، القاهرة: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 43، جزء 9. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 5852، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1838، صحيح.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1184، صحيح.
  13. سورة البينة، آية: 5.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح.
  15. “حكم الإحرام”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2020. بتصرّف.
  16. أبو بكر الكشناوي، أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 515، جزء 1. بتصرّف.
  17. بَافَضل الْحَضْرَمي (1413هـ )، المقدمة الحضرمية (الطبعة الثانية)، دمشق: الدار المتحدة، صفحة 146. بتصرّف.
  18. أسامة سليمان، التعليق على العدة شرح العمدة صفحة 11، جزء 51. بتصرّف.
  19. نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي صفحة 200. بتصرّف.