ما هو غار حراء

تعبّد الرسول في غار حراء

كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يختلي بنفسه في غار حراء قبل أن يبعثه الله تعالى نبيّاً إلى الناس، وكان ذلك محبباً إليه، حيث روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ ذلك كان قبل البعثة النبويّة بستّة أشهر، بعد أن رأى الرؤيا صادقة، إلا أنّ ابن إسحاق نقل أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يختلي بنفسه في شهر رمضان من كلّ سنةٍ، ويمكن الجمع بين رواية عائشة وابن إسحاق بالقول بأنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يعتكف في شهر رمضان من كلّ سنةٍ مع القول بأنّ الأشهر الستّة الأخيرة حُبّب إليه الخلاء أكثر، حيث كان يتفكّر في خلق الله تعالى، وبكيفية التقرّب إليه بالعبادة، ثمّ أصبح في آخر ستّة أشهرٍ يحبّ الخلاء، إلا أنّ الخلاء كان يخالف عادات الناس، ولم يكن أحدٌ يقوم به من أهل مكة ذلك الزمان، كما أنّ غار حراء كان في منطقةٍ موحشةٍ ومرعبةٍ بالنسبة لأهل مكّة، وكانت بالنسبة لهم أيضاً ليست من أماكن التفكّر والاختلاء بالنفس، فالذي يريد معرفة الحقيقة يقصد أهل العلم في زمانه، إلا أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لم يقصد أحداً من أهل العلم في زمانه، مثل: ورقة بن نوفل، أو زيد بن عمرو، وغيرهم ممّن اشتهروا في زمانهم بالعلم والمعرفة حول الديانات السماويّة وأنبياء الله السابقين عليهم السّلام.[١]

غار حراء

بينما كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- مختلٍ بنفسه في غار حراء، التقى به جبريل عليه السّلام، وتلا عليه بداية سورة العلق من القرآن الكريم، وهو قول الله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)،[٢] كما روت عائشة -رضي الله عنها- أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يتعبد في غار حراء، فقالت: (كان يخلو بغارِ حِراءَ، فيتحنَّثُ فيه -وهو التعبدُ- الليالي ذواتِ العددِ قبل أن ينزعَ إلى أهله)،[٣] ويقع غار حراء في الجهة الشماليّة الشرقيّة للمسجد الحرام، على جبل حراء، في أعلى مكّة، حيث إنّ الذاهب من مكّة إلى مِنى يكون الجبل إلى يساره، وتقدّر المسافة بين مكّة وجبل حراء بحوالي (4.8) كيلو متراً، بارتفاعٍ يقدّر بستمئةٍ وأربعٍ وثلاثين متراً، ويطلق عليه أهلّ مكّة اسم جبل النور، الذي يقع فيه غار حراء، الذي يعدّ فجوةً من الجبل، وباب الفجوة إلى جهة الشمال، ويقدّر اتساعها بجلوس تسعة أشخاصٍ، ومن الجدير بالذكر أنّ غار حراء لا يعدّ مكاناً للعبادة، فلا يجوز من المسلم أن يقصده من أجل التقرّب إلى الله تعالى بزيارته، حيث إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يتعبّد فيه قبل أن يصبح نبياً، وبعد النبوّة لم يقصده أبداً حتى بعد الهجرة إلى المدينة المنوّرة، وترك زيارته من الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يدلّ على عدم مشروعيّة قصد الغار للعبادة، أو للتبرّك منه، أو لنيل الفضيلة.[٤]

نزول الوحي على الرسول في غار حراء

أذن الله تعالى لجبريل -عليه السّلام- بالنزول إلى رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، وجعل جبريل أميناً على الوحي منه، إلا أنّ الله تعالى هيّأ رسوله الكريم للوحي، وذلك بالرؤيا الصادقة التي كانت تتحقّق مثل فلق الصبح، ثمّ حبّب إليه الخلوة بنفسه؛ حتى يتأمّل ويتفكّر ويتدبّر في خَلق الله تعالى، وذلك اتباعاً للفطرة السليمة التي جعلها الله تعالى في عباده، ثمّ أنزل الله تعالى الوحي إلى رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، وكان أول الوحي الأمر بالقراءة، وإعلان بداية عصرٍ جديدٍ يتمثّل بعصر بيان الحقّ ونشر العلم، وإبطال الخرافات والأباطيل، وتحقيق العلم بالله تعالى في نفوس العباد، حيث إنّ معرفة الله تعالى تعدّ أساس باقي المعارف، ومن الجدير بالذكر أنّ أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- أيّدت الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وساندته، فكانت مثالاً لباقي نساء المسلمين على الزوجة الصالحة، وكيفيّة معاملتها لزوجها، حيث قال الإمام النووي عن موقف خديجة: إنّها ذكّرته بأخلاقه الحميدة، ومناقبه الجليلة وأنّ الله تعالى لا يصيب عبده العابد والمطيع له بالمكاره، وذلك دليلٌ على أن الاتصاف بمكارم الأخلاق وأفضلها يعدّ سبباً يقي المسلم من مصارع السوء والشر، ومن الجدير بالذكر أنّ أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- كانت تتّصف بالحكمة والرشد والحب والعطف والحنان؛ ممّا جعلها خير ونيسٍ للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وعلمت أيضاً أنّ ما حصل مع رسول الله لم يكن أمراً عابراً، وإنّما هو حدثٌ عظيمٌ بحاجةٍ إلى علمٍ خاصٍّ، فذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، فعرف ورقة أنّ محمداً هو خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم السّلام، فلم يصمت عن رسالة الحق، وآمن بها وبصاحبها، وبيّت نيّة النصرة له ولرسالته، وبشّره الرسول بمنزلته الحسنة في الجنّة في الدار الآخرة، ودليل ذلك ما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن الرسول عليه الصّلاة والسّلام، حيث قالت: (لا تسبُّوا ورَقةَ بنَ نوْفلٍ، فإنِّي قدْ رأيتُ له جنةً أوْ جنَّتيْنِ)،[٥] وبعد الحادثة الأولى لنزول الوحي، توقّف لفترةٍ من الزمن، وأصيب الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالحزن الشديد، ثمّ رجع إليه الوحي مرةً ثانيةً في غار حراء، ثمّ بدأت مرحلةٌ جديدةٌ تمثّلت بالدعوة إلى توحيد الله تعالى، حيث أمر الله تعالى رسوله بالدعوة، وجعلها من الأمور الواجبة عليه.[٦]

المراجع

  1. “تعبد رسول الله في غار حراء”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-8-2018. بتصرّف.
  2. سورة العلق، آية: 1.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 3، صحيح.
  4. “غار حراء”، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-8-2018. بتصرّف.
  5. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 9775، صحيح.
  6. “قصة الوحي الخاتم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-8-2018. بتصرّف.