تعريف تفسير القران

مكانة تفسير القرآن

أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليكون كتاب هدايةً للعالمين؛ فيجمع الناس على الحقّ، ويُقلّل من الاختلافات بينهم، ولا يمكن ذلك إلاّ بفهم مقاصد القرآن الكريم ومعرفتها، وهنا تكمُن أهميّة التفسير ومكانته؛ ففهم سياق الآيات له أثرٌ كبيرٌ في فهم معنى النص القرآنيّ، وأعظم تفسيرٍ وبيان لآيات القرآن الكريم هو تفسير القرآن الكريم نفسه؛ فقد تكفّل الله -عزّ وجلّ- ببيان بعض آيات القرآن الكريم وتوضيحها، قال الله -تعالى-: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)،[١] ولذلك كان لعلم التفسير مكانة عظيمة بين العلوم الأخرى.[٢]

تعريف تفسير القرآن

يعدّ علم التفسير من أهم العلوم التي توصل الإنسان لفهم القرآن الكريم، والتفسير في اللغة يعني بيان الكتب وتفصيلها،[٣] وتفسير الشيء يعني بيانه وإيضاحه؛ فيحمل معنى الكشف والإيضاح،[٤] وتفسير القرآن في الاصطلاح الشرعي يعني تبيين معانيه وألفاظه؛[٥] فهو علمٌ يُرشِد إلى فَهم كلام الله -عزّ وجلّ- المنزّل على محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- فيُبيّن معانيه، ويُعين على استخراج أحكامه وحِكَمه؛ فهو علمٌ أُصّل له من علم اللغة والنحو والتصريف، وعلم البيان وأصول الفقه، والقراءات القرآنية، وممّا يساعد على ذلك معرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ.[٦]

الفرق بين التفسير والتأويل

يختلف معنى التفسير عن معنى التأويل؛ فالتأويل هو استخراج معنى النص على غير ظاهره؛ بحيث يكون على وجهٍ يحتمل المجاز أو الحقيقة، أمّا التفسير فهو تبيان معنى الآية بلفظٍ يدلّ عليه دلالةً ظاهرةً لا تحتمل المجاز،[٧][٨] وفيما يأتي تفصيلٌ لبعض الاختلافات بين التفسير والتأويل:

  • التفسير يوضّح معاني القرآن الكريم ويبينها بدليلٍ جازمٍ قطعيٍّ يبيّنه المُفسِّر، لذلك يجزم بتفسيره للآيات القرآنيّة، بينما التأويل يعتمد على الاحتمال وغلبة الظنّ والترجيح؛ فلا يستطيع المؤوّل أن يجزم ويقطع في تأويله للآيات القرآنية لعدم وجود دليل عليها.[٩]
  • التفسير محلّه الذهن، حيث يتمّ إيضاح المعنى بالكلام، بعبارةٍ تدلّ عليه باللسان، فيعقله الإنسان، أمّا التأويل فهو لا يختلف عن ظاهر الأمور التي تكون في الخارج حقيقةً؛ ففي قول الله -تعالى-: (بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ وَلَمّا يَأتِهِم تَأويلُهُ)،[١٠] يُقصد بالتأويل وقوع المُخبر به، كما في قوله -سبحانه وتعالى-: (وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت)؛[١١] فلا يختلف معنى الآية عن المعنى الحقيقي لظاهرها؛ فالتأويل في مفردة “طلعت” هو طلوع الشمس.[١٢]
  • التفسير تبيانٌ يدعمه صحيح السنّة النبويّة؛ فيكون معناه واضح وجليّ، حيث يعتمد بشكلٍ أساسيّ على الروايات؛ لذلك يُطلق عليه اسم التفسير بالرواية، أمّا التأويل فيقوم على ما يستنبطه العلماء من فهمهم للآيات القرآنيّة، وهو ما يُعرف بالدراية أو الاجتهاد.[١٢]
  • التفسير يقتصر على بيان المعاني والألفاظ، أمّا التأويل فيشمل ما يكثُر استخدامه في المعاني والجمل.[١٢]
  • التفسير توضيح لمفردات القرآن الكريم الظاهرة بناءً على اللّغة، أمّا التأويل فهو تبيانٌ لباطن المفردات القرآنيّة؛[١٣] ففي قول الله -تعالى-: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)،[١٤] تُفسّر مفردة المرصاد من الرّصد؛ فيُقال: رصدته إذا رقبته، والمرصاد: مفعالٌ منه، أمّا تأويلها فهو التحذير من التهاون بأمر الله -عزّ وجلّ-، والتنبيه من الغفلة عن لقاء الله -عزّ وجلّ- يوم القيامة.[١٥]
  • التفسير توضيح المعاني القرآنية التي لا تحتمل إلّا معنى واحد فقط، أمّا التأويل فهو ترجيحٌ لمعنى مفردةٍ من المفردات القرآنيّة التي تحمل عدّة معانٍ، بالاعتماد على دليلٍ في ذلك.[١٦]

أنواع تفسير القرآن

نال علم تفسير القرآن الكريم أهميّةً بالغةً بين العلماء؛ فاجتهدوا في تقسيم علم التفسير إلى عدّة أقسام؛ كالتفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي، والتفسير بالإشارة، وفيما يأتي توضيح ذلك بالتفصيل:[١٧]

  • التفسير بالمأثور (التفسير بالرواية): يقصد به بيان مراد الله -تعالى- من الآيات القرآنية من خلال آيةٍ أخرى، أو بما أُثر عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو عن صحابة رسول الله -رضي الله عنهم أجمعين-، ومن أشهر كتب التفسير بالمأثور تفسير الطبري، وتفسير السيوطي: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ويُقسم التفسير بالمأثور إلى عدّة أقسام، فيما يأتي ذكرها:[١٧]
    • تفسير القرآن بالقرآن: يُقصد به أن تأتي آيةً قرآنية تُفسّر معنى آيةً أخرى، كما في قول الله -عزّ وجلّ-: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)،[١٨] حيث جاءت آيةٌ أخرى توضّح مراد الله -تعالى- منها؛ كقوله -تعالى-: (قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ).[١٩]
    • تفسير القرآن بالسنّة: يكون ذلك بأن تُفسَّر آية قرآنية بحديثٍ نبويٍّ شريف؛ كتفسير رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لمعنى الظلم بالشرك، فقد ذكر عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- ذلك فقال: (قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا} [الأنعام: 82] إيمانَهُمْ بظُلْمٍ شَقَّ ذلكَ علَى أصْحابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقالوا: أيُّنا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ليسَ كما تَظُنُّونَ، إنَّما هو كما قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ: {يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ باللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ})،[٢٠]
    • تفسير القرآن بما أُثر عن الصحابة: يتوافق تفسير الصحابة -رضي الله عنهم- أحياناً مع أسباب نزول القرآن الكريم فيأخذ بكلامهم، ولا مجال للرأي فيه؛ فيأخذ حكم المرفوع، أمّا إن كان للرأي فيه مجال فهو في حكم الموقوف ما دام لم يسند إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
  • التفسير بالرأي (التفسير بالدراية): يعني ذلك التفسير الذي يعتمد على اجتهاد المُفسّر، بحيث يكون عارفاً بكلام العرب وألفاظهم ودلالاتها، عالماً بالناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وكلّ ما يتعلق بعلوم القرآن وأدواته، ويُقسّم التفسير بالرواية إلى قسمين: التفسير المحمود، والتفسير المذموم.[١٧]
  • التفسير الإشاري (تفسيرٌ بالإشارة): يعني ذلك تفسير آيات القرآن الكريم بإشارةٍ خفيّةٍ تظهر لمن خصّهم الله -تعالى- بفهمٍ خاصٍّ؛ فيُفسّر النصّ على غير ظاهره، وقد ضبط ابن القيم -رحمه الله تعالى- هذا النوع من التفاسير بعددٍ من الضوابط؛ كأن لا يُناقض التفسير معنى الآية القرآنية، وأن يكون المعنى صحيحاً في نفسه، وغيرها من الضوابط.[١٧]

المراجع

  1. سورة القيامة، آية: 19.
  2. د. عبدالسميع الأنيس (7/5/2017)، “عشر فوائد في علم التفسير”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-7-2020. بتصرّف.
  3. الصحاري (1999)، كتاب الإبانة في اللغة العربية (الطبعة الأولى)، مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، صفحة 1586، جزء 3. بتصرّف.
  4. عبد الله بن محمد الغنيمان، كتاب شرح فتح المجيد للغنيمان، صفحة 2، جزء 29. بتصرّف.
  5. ابن عثيمين (1995)، كتاب شرح مقدمة التفسير لابن تيمية – العثيمين (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 28، جزء 1. بتصرّف.
  6. د.هاني البشبيشي (4/4/2013)، “الفرق بين التفسير والتأويل”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-7-2020. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين (1404 – 1427هـ)، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 219، جزء 8. بتصرّف.
  8. العسكري، أبو هلال (1412ه)، كتاب معجم الفروق اللغوية = الفروق اللغوية بترتيب وزيادة (الطبعة الأولى)، إيران: مؤسسة النشر الإسلامي، صفحة 129. بتصرّف.
  9. صلاح الخالدي (1996 م)، كتاب التفسير والتأويل في القرآن (الطبعة الأولى)، الاردن: دار النفائس، صفحة 170. بتصرّف.
  10. سورة يونس، آية: 39.
  11. سورة الكهف، آية: 17.
  12. ^ أ ب ت محمد معبد (2005 م)، كتاب نفحات من علوم القرآن (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام، صفحة 123. بتصرّف.
  13. صلاح الخالدي (1996 م)، كتاب التفسير والتأويل في القرآن (الطبعة الأولى)، الأردن: دار النفائس، صفحة 170-171. بتصرّف.
  14. سورة الفجر، آية: 14.
  15. الثعالبي، أبو زيد (1418 ه)، تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 45. بتصرّف.
  16. صلاح الخالدي (1996 م)، كتاب التفسير والتأويل في القرآن (الطبعة الأولى)، الأردن: دار النفائس، صفحة 172. بتصرّف.
  17. ^ أ ب ت ث الشيخ صلاح نجيب الدق (4/7/2018)، “تفاسير القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2020. بتصرّف.
  18. سورة البقرة، آية: 37.
  19. سورة الأعراف، آية: 23.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6937، صحيح.