بحث عن غار حراء

غار حراء

تخبر السيدة عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان ممّا تميّز به عن غيره، أن حُبّب إليه العزلة والخلوة، حتى اعتاد أن يخرج عدة أيامٍ بين حينٍ وآخرٍ، يختلي بنفسه، ويترك خلفه الزوجة والأولاد، ومتاع الحياة بعمومها، ويتفرّد في النظر والتأمّل والتعبّد، ويقطع بذلك المسافات، ويتسلّق جبلاً شاهقاً وعِراً؛ هو جبل النور الذي يقع غار حراء على يسار قمته، رغبته من ذلك أن يكون معزولاً عن الناس جميعهم، منقطعاً عن شواغلهم وضوضائهم، تقول عائشة -رضي الله عنها- بوصف حال النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسبب خروجه إلى الغار: (ثم حُبِبَ إليهِ الخَلاءُ، فكانَ يلْحَقُ بغارِ حِرَاءٍ، فيَتَحَنَّثُ فيهِ قالَ: والتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ الليالِيَ ذواتِ العددِ، قبْلَ أن يَرجِعَ إلى أهلِهِ، ويَتَزَوَّدُ لذَلِكَ، ثمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ، فيَتَزَوَّدُ بمثْلِهَا)،[١] فقد كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حنيفاً على دين أبيه إبراهيم، ووجد في الخلوة وصولاً إلى الله تعالى، وكان ممّا يساعد في ذلك أنّ المطلّ الذي كان يجلس فيه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ينظر منه مباشرةً إلى الكعبة، فيزداد الجوّ جلالاً وهيبةً، ويزداد الخشوع والخشية في النفس وتتحقّق.[٢][٣]

وصف الطريق إلى غار حراء

يرغب بعض المسلمين بتجربة الصعود إلى جبل النور حيث غار حراء، الذي كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يقصده يتعبّد فيه قبل البعثة، وإنّ من أوصافهم بعد تجربتهم أنّ الصعود على الجبل يكاد يشبه المعجزة؛ لشدّة وعورته، وصعوبته، وشدّة انحداره، خاصةً أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان يمكث فيه الليالي ذوات العدد، وبعد هبوط الظلام كان يزداد الأمر صعوبةً وريبةً وخوفاً، ويقع غار حراء في جبل النور، الذي يقع في الشمال الشرقي لمكة المكرمة، ويرتفع جبل النور حوالي 642 متراً، ويقسّم نظرياً إلى ثلاث مراحلٍ، بعضها سهلٌ، وبعضها صعبٌ، وأمّا الغار فيقع على يسار قمة جبل النور، ويبلغ طوله أربعة أذرعٍ، وعرضه ذراعاً وثلاثة أرباع الذراع تقريباً، ويتّسع لبضعة رجالٍ يجلسون فيه، وإنّ صخور مدخله كبيرةٌ متراصّةٌ، بينها فجوةٌ صغيرةٌ، يضطر المرء فيها بأن يتحرّك بحذرٍ شديدٍ، حتى يصل إلى داخله، وحين يقبل المرء إليه داخلاً باتجاه القبلة، يجد أمامه الكعبة المشرّفة، فكأنّه تقديرٌ إلهيّ، وحكمةٌ أرادها الله، ليكتمل جلال المكان وهيبته.[٢]

بدء الوحي في غار حراء

تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- حال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- خلال الأيام التي تزامن فيها نزول الوحي عليه لأول مرّةٍ، فتقول في حديثٍ صحيحٍ يطول بأنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان يلازم غار حراءٍ يتعبّد ليالٍ ذوات العدد، حين فاجئه الحقّ؛ وهو الوحي، إذ أتاه مباغتةً، لم يكن ينتظرها نبي الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال جبريلٌ له: (اقرأْ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أنَا بِقَارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتى بلغَ مني الجَهدَ، ثم أرسلنِي فقالَ: اقرأْ، قلتُ: ما أنَا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانيةَ حتى بلَغَ مني الجَهدَ، ثم أرسلَني فقالَ: اقرأْ، قلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخذَنِي فَغَطَّنِي الثَالِثَةَ حتى بلَغَ مني الجَهْدَ، ثمَّ أرسلَنِي فقالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ)،[١] ومعنى قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حتى غطّني الجهد؛ أيّ بلغ مني الصعوبة في النفس، والمقصود بطلب الملَك من النبي أن يقرأ؛ أيّ اقرأ لا بقوتك وقدرتك، وإنّما بحول الله وقوته، فكما خلقك سيعلمك.[٤]

ثمّ تركه جبريلٌ -عليه السلام- بعد ذلك، فرجع النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بتلك الأخبار والآيات إلى زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنه، مرتجفاً يظهر عليه الفزع والخوف، وأخبرها بما حصل معه، ويتسائل أمامها فيقول: (أيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي، لقدْ خَشِيتُ على نفسِي)،[١] ويأتي الجواب من زوجته الأمينة المصدّقة له مُطَمئِنةً إيّاه فوراً: (كلَّا، أَبْشِرْ، فواللهِ لا يُخْزِيكَ اللهُ أبدًا، فواللهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرحِمَ، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ على نَوَائِبِ الحقِّ)،[١] فذكرت له خديجةٌ صفاته العظيمة التي لا يمكن معها أن يهينه الله -تعالى- أو يخزيه، وسارعت إلى مزيدٍ من الاطمئنانٍ إلى ابن عمٍ لها؛ هو ورقة بن نوفل: وهو رجلٌ يعلم بالنصرانية، فلمّا سمع ورقة بن ونوفل من الرسول ما حدث معه في غار حراء، أخبره أنّه نبيٌّ على خطى موسى عليه السلام، فقال ورقةٌ: (هذا النَّامُوسُ الذي أُنِزَل على موسَى).[١][٤]

كانت تلك قصّة بدء الوحي ونزوله على النبي -عليه الصلاة والسلام- في غار حراء، بيدَ أنّه وبعد أن لزم الوحي النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصار يتنزّل عليه في الآيات الكريمة بانتظامٍ، مكث النبي بعد ذلك بضعة عشرة سنةً في مكة، لم يزر فيها غار حراء مطلقاً، ثمّ في فتح مكة جاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إليها، فمكث فيها ما يقارب العشرين ليلةً، وفي حجة الوداع أقام فيها أربع ليالٍ، لم يقصد فيها غار حراء؛ وذلك لأنّ الغار كان مكاناً للخلوة والتعبّد قبل نزول الشريعة ومعرفتها، أمّا وقد أكرم الله -تعالى- نبيه بالعبادات والشرائع، وعرّفه الصلاة والاعتكاف في المساجد، فلم يستدعي الأمر بعد ذلك الصعود إلى حراءٍ لأجل التبتّل والاعتكاف.[٥]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4953، صحيح.
  2. ^ أ ب “معجزة الصعود والانقطاع”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-28. بتصرّف.
  3. “ماهية عبادة النبي عليه الصلاة والسلام في حراء”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-28. بتصرّف.
  4. ^ أ ب “كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-27. بتصرّف.
  5. “سبب عدم زيارة النبي غار حراء بعد النبوة”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-28. بتصرّف.