سراقة بن مالك

سراقة بن مالك والهجرة

لم يكن سُراقة بن مالك -رضي الله عنه- صاحب مكانة مرموقة في قومه، ولم يكن عندما هاجر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من مكة المكرمة قاصداً المدينة المنورة على الإسلام، بل إنّه كان ممّن خرج في طلب النبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى كاد أن يصل إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصاحبه في تلك الرحلة أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، لكن النبي بحِنكته وفطنته وحفظ الله تعالى له تدارك ذلك الموقف، فأنجاه الله تعالى من قريش ومكرهم، ووصلوا إلى المدينة المنورة بأمانٍ وسلامٍ، فمن هو سراقة بن مالك؟ وما هو دوره في حادثة الهجرة النبوية؟ وما الذي حصل له بعد تلك الحادثة؟

سراقة بن مالك

لم يكن سراقة بن مالك مشهوراً كغيره من كبار الصّحابة، لكنّه كان أحد الصّحابة الأجلّاء الذين لاقوا النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وجالسوه، وقد جاء ذكر اسمه في بعض كتب الأنساب والسير التي اختصّت بتعريف الصحابة، وبيان أنسابهم وأسمائهم، وذكر بعض المعلومات الواردة عنهما، فسراقة بن مالك هو الصحابي الجليل سراقة بن مالك بن جُعْشُم بن مالك الكناني المدلجي، يُكنّى بأبي سفيان، أسلم بعد فتح مكّة، وتوفي في خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، فعاصر خلافة أبي بكر الصديق، وخلافة عمر بن الخطاب، وشيئاً من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهم، فكانت وفاته في السنة الرابعة والعشرين من الهجرة النبوية الشريفة، وقيل: إنّ وفاته كانت بعد ذلك.[١]

سراقة بن مالك قبل الإسلام

في حادثة الهجرة النبوية من مكّة المكرمة إلى المدينة المنورة، كان سُراقة بن مالك يقتفي أثر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصاحبه أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه؛ حيث لحِق بهما في أثناء سفرهما في الطريق بين مكّة والمدينة، وعندما أدرك سراقة بن مالك النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصاحبه وعده النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إن عاد ولم يبلّغ أحداً من قريش أو غيرهم بمكانه وصاحبه أن يعطيه سواريّ كسرى بن هرمز بعد فتح مملكته من قِبل المسلمين،[٢] وقد ورد في تلك الحادثة ما رواه سراقة بن مالك في صحيح البخاري؛ حيثُ قال: (فبَينَما أنا جالِسٌ في مَجلِسٍ مِن مَجالِسِ بَني مُدْلِجٍ، أَقبَلَ رَجلٌ مِنهُم، حتَّى قام عَلينا ونَحنُ جُلوسٌ، فَقال: يا سُراقةُ، إنِّي قدْ رَأيتُ آنِفاً أَسْوِدَةً بالسَّاحلِ، أُراها مُحمَّداً وأَصحابَه، قال سُراقَةُ: فعَرَفتُ أنَّهم هُم، فقُلتُ لَه: إنَّهم لَيسوا بِهم، ولكنَّك رَأيتَ فُلاناً وفُلاناً، انطَلَقوا بِأَعيُنِنا، ثُمَّ لَبِثتُ في المَجلسِ ساعةً، ثُمَّ قُمتُ فدَخَلتُ، وأَخَذتُ رُمْحي، فخَرَجْتُ به مِن ظَهرِ البَيت، حتَّى دَنَوتُ مِنهُم، ساخَتْ يَدَا فَرَسي في الأَرضِ، حتَّى بَلَغَتا الرُّكبَتينِ، فَنادَيتُهم بِالأمانِ، فوَقَفوا، فرَكِبتُ فَرَسي حتى جِئتُهم، ووَقعَ في نَفسي حينَ لَقيتُ ما لَقيتُ منَ الحَبسِ عَنهُم، أنْ سيَظهَرُ أمرُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقُلتُ لَه: إنَّ قَومَك قد جَعَلوا فيكَ الدِّيَةَ، وأَخبَرتُهم أَخبارَ ما يُريدُ النَّاسُ بِهم، وعَرَضوا عَليهِمُ الزَّادَ والمَتاعَ، فلم يَرْزَآني ولَمْ يَسأَلاني، إلَّا أنْ قال: أخْفِ عنَّا، فسَألتُه أنْ يَكتُبَ لي كِتابَ أمْنٍ، فأَمرَ عامِرَ بنَ فُهَيرةَ، فكَتبَ في رُقعةٍ مِن أَديمٍ، ثُمَّ مَضى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم).[٣]

إسلام سراقة بن مالك

إنّ إسلام سراقة بن مالك -رضي الله عنه- كان بعد فتح مكّة، وقد روى بنفسه حادثة إسلامه، فالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان قد كتب إليه كتاباً في حاثة الهجرة، وقد احتفظ سُراقة بن مالك بذلك الكتاب حتى يوم فتح مكّة، فذهب ليَلقى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بمنطقة اسمها الجِعِرّانة، وهي منطقة ماء بين الطائف ومكّة، وهي أقرب ما تكون إلى مكّة المكرمة، وكان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حينها عائداً مع إحدى الكتائب ومعه خيل الأنصار، فدخل إليه سُراقة بن مالك ومعه الكتاب، فردَّه المقاتلين من الأنصار عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- برماحهم، فرفع الكتاب عالياً وقال: (يا رسول الله، هذا كتابك لي، أنا سراقة بن جعشم)، فأمره النبي -صلّى الله عليه وسلم- بالاقتراب منه، فأسلم يومها.[٤]

وقد روى سُراقة عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عدداً من الأحاديث، ومن بعض ما رواه سراقة عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه سأل النبي ذات مرة فقال: (يا رسولُ اللهِ أخبِرْنا عن أمرِنا كأنَّا ننظُرُ إليه أبما جرَتْ به الأقلامُ وثبَتَت به المقاديرُ أو بما يُستأنَفُ؟ قال: لا بل بما جرَتْ به الأقلامُ وثبَتَت به المقاديرُ، قال: ففيمَ العملُ إذاً؟ قال: اعمَلوا فكلٌّ ميسَّرٌ، قال سراقةُ: فلا أكونُ أبداً أشدَّ اجتهاداً في العملِ منِّي الآنَ).[٥]

سراقة بن مالك وسواري كسرى

إنّ ما ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بما يخصّ وعده لسراقة بن مالك بسواري كسرى لا يصحّ من حيث السند، لكنّ كتب السيرة وأهل العلم كالشافعي قد استندوا إلى العديد من الروايات التي تؤيّد ذلك الوعد ويؤيد صدق وعد النبي -صلى الله عليه وسلم- لسراقة، ومن ذلك أنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمّا فُتحت مملكة كسرى في عهده، وجيء له بسواري كسرى، بعث بطلب سراقة بن مالك وسلَّمه السوارين، وإنّما ذلك تنفيذاً لوعد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وتحقيقاً لنبوءته بفتح مملكة كسرى.[٦]

المراجع

  1. عبد المجيد الشيخ عبدالباري (2006)، الروايات التفسيرية في فتح الباري (الطبعة الأولى)، السعودية: وقف السلام الخيري، صفحة 1365، جزء 3. بتصرّف.
  2. محمد بن عبد الله العوشن (2013)، ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية، السعودية: دار طيبة، صفحة 85-87. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سراقة بن مالك بن جعشم، الصفحة أو الرقم: 3906، صحيح.
  4. عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (1955)، السيرة النبوية لابن هشام (الطبعة الثانية)، مصر – القاهرة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، صفحة 490، جزء 1. بتصرّف.
  5. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن سراقة بن مالك بن جشعم، الصفحة أو الرقم: 337، صحيح.
  6. “سراقة بن مالك في الهجرة”، www.elshaab.org، اطّلع عليه بتاريخ 28-12-2017. بتصرّف.