مقال عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

تُعرّف الهجرة على أنها الخروج من أرضٍ إلى أخرى، وقد كانت هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخروجه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في عام ستمئة واثنين وعشرين للميلاد،[١] ومن الجدير بالذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد اضطر للهجرة بعد أن رفض أهل مكة دعوة الإسلام، على الرغم من محاولته بشتى الطرق والوسائل دعوتهم إلى توحيد الله -تعالى- ونبذ عبادة الأصنام، حيث استخدم في دعوتهم الموعظة الحسنة، والرفق، واللين، كما في قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٢][٣]

لكن أهل مكة أصرّوا على عداء الإسلام وحرب المسلمين واضطهادهم، مما دفع النبي -عليه الصلاة والسلام- للبحث عن مكان آخر يكون أكثر قابلية لدعوته، فكان ذلك المكان المدينة المنورة، وبدأ الأمر عندما لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ستة من الأنصار في موسم الحج، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا، وبعدها بعام تمّت بيعة العقبة الأولى، وبعث النبي مصعب بن عمير -رضي الله عنه- إلى المدينة ليعلم أهلها الإسلام، ثم رجعوا في بيعة العقبة الثانية وخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- مهاجراً.[٣]

وفي الحقيقة أن الهجرة النبوية لم تكن كأي حدث عابر، بل كانت حدثاً عظيماً غيّر مجرى التاريخ، وفيصلاً بين مرحلة الدعوة المكية ومرحلة الدعوة المدنية، لا سيّما أن عظمة الأحداث تقاس بما يترتب عليها من النتائج، وبعظمة المكان الذي وقعت فيه، وبمكانة الرجال الذين قاموا بها، وقد كان القائم بهذا الحدث أعظم وأشرف رجل عرفه التاريخ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، والمكان الذي وقعت فيه مجريات الحدث أِشرف مكانٍ على وجه الأرض؛ وهي مكة والمدينة، وكانت نتائج الهجرة عظيمة تجلّت فيها معاني الصبر، والإخاء، والتضحية، والصحبة، والنصر، والتوكل، وجعلها الله -تعالى- سبباً لرفع راية الإسلام وإقامة دولته، والنصر والتمكين، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِلّا تَنصُروهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذينَ كَفَروا ثانِيَ اثنَينِ إِذ هُما فِي الغارِ إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّـهَ مَعَنا فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنودٍ لَم تَرَوها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفلى وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ العُليا وَاللَّـهُ عَزيزٌ حَكيمٌ).[٤][٥]

بيعة العقبة الاولى

بعد أن قرر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البحث عن بيئة جديدة للدعوة خارج مكة المكرمة، التقى بستة رجال من أهل يثرب فهداهم الله إلى الإسلام، وكان إسلامهم بداية مرحلة جديدة من الدعوة، وبعد عام من ذلك اللقاء عاد الرجال الستة وبرفقتهم ستة آخرون ليصبح عددهم اثنا عشر رجلاً، فالتقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند منطقة العقبة، وبايعوه هناك بما عُرف في التاريخ ببيعة العقبة الأولى، وقد أُطلق على هذه البيعة بيعة النساء، وقد روى عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بَايِعُونِي علَى أنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، ولَا تَسْرِقُوا، ولَا تَزْنُوا، ولَا تَقْتُلُوا أوْلَادَكُمْ، ولَا تَأْتُوا ببُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بيْنَ أيْدِيكُمْ وأَرْجُلِكُمْ، ولَا تَعْصُونِي في مَعروفٍ، فمَن وفَى مِنكُم فأجْرُهُ علَى اللَّهِ، ومَن أصَابَ مِن ذلكَ شيئًا فَعُوقِبَ به في الدُّنْيَا فَهو له كَفَّارَةٌ، ومَن أصَابَ مِن ذلكَ شيئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فأمْرُهُ إلى اللَّهِ، إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وإنْ شَاءَ عَفَا عنْه).[٦][٧]

بيعة العقبة التانية

بعد بيعة العقبة الأولى، وبالتحديد في العام الثالث عشر للهجرة، جاء وفد كبير من أهل يثرب للقاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند العقبة، فتم خلال ذلك اللقاء الاتفاق على بنود عديدة شكّلت حجر الأساس للهجرة وإقامة الدولة الإسلامية في المدينة، وقد وردت الكثير من الروايات التي تفصّل أحداث بيعة العقبة الثانية، ومنها ما رُوي عن عامر الشعبي أنه قال: (انطلقَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ معَهُ العبَّاسُ عمُّهُ إلى السَّبعينَ منَ الأنصارِ عندَ العقبةِ، فقالَ لَهُ أبو أمامةَ يعني أسعدُ بنُ زُرارةَ: سل يا محمَّدُ لربِّكَ ولنفسِكَ ما شئتَ، ثمَّ أخبِرنا ما لَنا منَ الثَّوابِ؟ قالَ: أسألُكُم لربِّي أن تعبدوهُ ولا تشرِكوا بِهِ شيئًا، وأسألكم لنَفسي ولأصحابي أن تُؤوونا وتنصُرونا وتمنَعونا مِمَّا تمنعونَ منهُ أنفسَكُم، قالوا: فما لَنا؟ قالَ: الجنَّةُ، قالوا: ذلِكَ لَكَ)،[٨] فتمّت بذلك البيعة.[٩]

وكان أول من ضرب على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البراء بن معرور رضي الله عنه، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْكُمْ يَكُونُونَ على قَوْمِهِمْ)،[١٠] فأخرجوا اثني عشر نقيباً؛ تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، وقد ذكر الطبراني -رحمه الله- نقباء الأوس والخزرج، وهم: البراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام من بني سلمة، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو من بني ساعدة، ورافع بن مالك من بني زريق، وأسعد بن زرارة من بني النجار، وسعد بن الربيع، وعبد الله بن رواحة من بني الحارث، وعبادة بن الصامت من بني عوف، وأسيد بن حضير، وأبو الهيثم بن التيهان من بني عبد الأشهل، وسعد بن خيثمة من بني عمرو بن عوف.[٩]

الدروس المستفادة من الهجرة

كانت الهجرة النبوية حدثاً مليئاً بالدروس والعبر، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:[١١]

  • سبب الهجرة: أذن الله -تعالى- للمسلمين في مكة بالهجرة بسبب منعهم من إقامة دين الله، واضطهادهم من قبل قريش.
  • الصبر واليقين من أهم أسباب التمكين: حيث إن التمكين الذي عاشه المسلمون في المدينة المنورة، لم يكن إلا بعد أن صبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- على الاضطهاد والابتلاء، فيسّر الله لهم الأنصار وقذف الإيمان في قلوبهم، ليبدأ بعدها النصر والتمكين.
  • الأخذ بالأسباب: على الرغم من ثقة النبي -صلى الله عليه وسلم- بنصر الله -تعالى- له، إلا إنه بذل ما بوسعه للأخذ بالأسباب لنجاح عملية الهجرة، وفي ذلك درس للمسلمين أن الأخذ بالأسباب أمرٌ ضروري للنجاح، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ).[١٢][١٣]
  • الاعتماد على الله: الأخذ بالأسباب لا يكفي للنجاح، بل لا بُد من الاعتماد على الله تعالى، ولم ينقطع اعتماد النبي -عليه الصلاة والسلام- على الله -تعالى- في أي خطوة من خطوات الهجرة، وقد تجلى ذلك الاعتماد في أحلك الظروف، عندما وصل المشركون إلى باب الغار، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: “لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا”، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: (ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا).[١٤][١٣]

المراجع

  1. “تعريف و معنى الهجرة في قاموس المعجم الوسيط”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2019. بتصرّف.
  2. سورة البقرة، آية: 256.
  3. ^ أ ب أ. أحمد عبد الحليم (7-12-2010)، “أسباب ونتائج الهجرة النبوية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2019. بتصرّف.
  4. سورة التوبة، آية: 40.
  5. “الهجرة النبوية الشريفة”، www.alukah.net 2014-11-5 ميلادي – 14/1/1436 هجري، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2019. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 3892، صحيح.
  7. “بيعة العقبة الأولى”، www.islamweb.net، 15/11/2009، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2019. بتصرّف.
  8. رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود، الصفحة أو الرقم: 7/263، إسناده قوي.
  9. ^ أ ب أ.د. راغب السرجاني (2010/04/21)، “بيعة العقبة الثانية”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2019. بتصرّف.
  10. رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6/45، رجاله رجال الصحيح.
  11. سامي بن خالد الحمود، “الهجرة دروس وعبر”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-4-2019. بتصرّف.
  12. سورة الأنفال، آية: 60.
  13. ^ أ ب ،2015-10-05 “الدروس المستفادة من الهجرة النبوية “، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2019. بتصرّف.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم: 3653، صحيح.