أين يوجد مسجد الجن

قد نسمع أحياناً مسمّيات غريبة لأشياء أو أماكن ارتبط معها اسمها مع حدث معيّن، ومن أغرب أسماء المساجد التي سمّيت بها “مسجد كأنني أكلت” و “مسجد الجنّ”. فمسجد “كأنني أكلت” هو مسجد بني في تركبا لأنّ رجلاً صالحاً من أهل “فاتح” في اسطنبول العاصمة اشتهت نفسه طعاماً ما ولم يستطع أن يشتريه، فكان ينظر إليه ثمّ يقول” كأنني أكلت”، ويضع مكان هذا الطعام نقوداً إلى أن تمكّن من بناء مسجد فيه، ولذلك سمّي بهذا الاسم. أمّا المسجد الآخر فهو “مسجد الجنّ”، وهو اسم غريب لمسجد، فأين يقع هذا المسجد؟ ولماذا سميّ بهذا الاسم؟ هذا ما سيكون موضوع حديثنا في هذا المقال.

مسجد الجنّ هو مسجد من مساجد مكّة المكرّمة في المملكة العربيّة السعوديّة، وهو يقع في الشارع ما بين الشارع المؤدّي إلى مقبرة “المعلاة” وشارع “المعلاة” نفسه، أي في شمال المسجد الحرام، وله عدّة أسماء أخرى منها “مسجد البيعة”، و “مسجد الحرس”، لكنّه يعرف أكثر باسم مسجد الجنّ. وهذا المسجد التاريخيّ بني في أوائل القرن الثالث الهجريّ، وتمّ تجديده مرّات كثيرة في عصور المسلمين المختلفة، وقد كان آخر عهد له في التجديد في عهد “الملك فهد بن عبد العزيز” خادم الحرمين الشريفين سنة 1421 هجريّة، ويلاحظ الزائر في أيّامنا هذه أنّ المسجد فيه من الآثار التاريخيّة الجميلة ما لا يمحو ولا يطغى على الجمال العمرانيّ والتطوّرات الجميلة التي تمت إضافتها للمسجد.

وأمّا فيما يتعلّق بقصة وسبب تسمية هذا المسجد بهذا الاسم فإنّ الصحابيّ الجليل ابن مسعود – رضي الله عنه وأرضاه – يقول أنّ: رسول الله “صلّى الله عليه وسلّم” قال لأصحابه وهو بمكة: من أحبّ منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل، فلم يحضر منهم أحد غيري، فانطلقا حتى إذا كنّا بأعلى مكّة فخطّ لي برجله خطّاً، ثمّ أمرني أن أجلس فيه، ثمّ انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتّى ما أسمع صوته، ثمّ انطلقوا وطفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتّى بقيت منهم رهط، وفرغ رسول الله “صلّى الله عليه وسلّم” مع الفجر وانطلق فبرز ثم أتاني فقال: ما فعل الرهط؟ فقلت: هم أولئك يا رسول الله فأخذ عظماّ وروثاّ فأعطاهم إيّاه زاداّ، ثمّ نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث. وهو يذكر أنّ الرسول صلوات الله عليه وسلامه قرأن على الجنّ آنذاك ربعاً من القرآن الكريم، وهناك أيضاً نزلت سورة الجنّ على رسولنا الكريم وأسلم نفر من الجنّ بعدما سمعوا قوله تعالى: “قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا،يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا” (سورة الجن: 1 و 2). وفي ذاك المكان تحديداً تمّ إنشاء المسجد.

كما أنّ المسجد سميّ بمسجد البيعة، لأنّه المكان الذي بايع فيه الجنّ الرسول “صلّى الله عليه وسلّم” على الإسلام، وسميّ بمسجد الحرس لأنّ المسؤول عن الحرس كان يطوف بمكّة إلى أن يصل إلى هذا المكان مع بقية حرّاسه ويجتمعون فيه، ولذلك سميّ بهذا الاسم أيضاً.