منهج الاسلام في تدبير الاموال

نعمة المال

إنّ من رزق الله تعالى على عباده: المال، فهو من زينة الحياة الدنيا ومتاعها، وفي المآل إمّا أن يزول المال أو يزول صاحبه، فإمّا أن يكون المال نعمةً لصاحبه إن صُرف في طاعة الله تعالى؛ ليكون نافعاً له في دنياه وآخرته، ومن وجهٍ آخر قد يكون المال نقمةً على العبد؛ إن استُخدم في معصية الله عزّ وجلّ، فكما أنّ الواجب على المسلم أن يكسب المال من الطرق الحلال والمشروعة، فيجب أيضاً صرفه في الطرق المشروعة، ومن الطرق غير المشروعة التي يسلكها بعض الناس في كسب المال: بيع الغرر؛ وهو البيع دون تسليم السلعة، والبيع الذي فيه ربا، ومن الأوجه غير المشروعة في كسب المال: صرف الأموال في الإعانة على ارتكاب المعاصي، ومن الجدير بالمسلم أن يصرف الأموال بما يرفع منزلته في الحياة الآخرة؛ ليكون قدوةً لغيره من المسلمين، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له).[١][٢]

منهج الإسلام في تدبير الأموال

شُرع في الإسلام عدّة مبادئ للمحافظة على الأموال، فكانت أولى هذه المبادئ؛ إخراج حقوق الله تعالى من المال، حيث أوجب الله تعالى نوعين من الحقوق في الأموال، وهما: حقٌّ ثابتٌ محدّدٌ دائمٌ، والآخر حقٌّ غير محدّدٍ وغير ثابتٍ وغير دائمٍ؛ إذ إنّ إخراج الحقوق السابقة يعدّ وسيلةً من وسائل حفظ الله تعالى للمال، ومن وسائل حفظ المال: الاعتدال في الإنفاق ومحاربة الإسراف، والاعتدال في الإنفاق يشمل الملبس، والمسكن، والمناسبات الاجتماعية، إذ إنّ الإسراف امتدّ حتى شمل المهور، وأعياد الميلاد، وفي الجنائز وما يتبعها، فالإسلام نهى عن الإسراف؛ بسبب ما فيه من تضييع للأموال بما لا يحقّق مصلحة الأفراد والجماعات، كما أنّ في ذلك العديد من الخسائر، ويعدّ سبباً من أسباب التضخّم الاقتصادي، ولأجل ذلك قرّر الإسلام القواعد العامة لذلك في نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة، منها قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)،[٣]فالآيات التي وردت في القرآن الكريم دلّت على أنّ عدم الإسراف يشمل الطعام والشراب والمسكن، وبذلك يصل المسلم إلى مكانةٍ رفيعةٍ، ومن الأحاديث التي وردت في عدم الإسراف: قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثٌ مُنجِياتٌ: خَشيةُ اللهِ تعالَى في السِّرِّ والعلانِيَةِ، والعدلُ في الرِّضا والغضَبِ، والقصْدُ في الفقْرِ والغِنَى، وثلاثٌ مُهلِكاتٌ: هوًى مُتَّبَعٌ، وشُحٌّ مُطاعٌ، وإِعجابُ المرْءِ بنفْسِهِ)،[٤] ومن الأحكام التي وردت في السنّة النبويّة؛ لتدلّل على الاعتدال في الإنفاق: النهي عن الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة.[٥]

ومن وسائل المحافظة على الأموال التي نصّ عليها الإسلام: تحريم الربا، وذلك في العديد من النصوص القرآنيّة والنبويّة، والنهي لطرفيّ معاملة الربا؛ سواءً أكان الآخذ أم المعطي، كما أنّ من وسائل المحافظة على الأموال؛ النهي عن الرشوة، وكلّ ما يُصرف في سبيل قضاء الحاجات، أو إحقاق الباطل، أو إبطال الحقّ، ويدخل في النهي الراشي والمرتشي على حدٍ سواء؛ إذ إنّ ذلك يؤدي إلى تدمير الحقوق العامّة والخاصّة، حيث إنّ الرشوة تُعطي الحقّ والسلطة لمن ليس أهلاً لذلك، ومن الوسائل أيضاً: النهي عن جميع صور وأنواع السرقة؛ حيث أوجب الإسلام توفير حدّ الكفاية لأفراد الدولة، وتحريم الميسر؛ وهو القِمار، وحثّ الإسلام على كتابة الديون، وأداء أموال الميراث.[٥]

المال في الإسلام

يجدر بالمسلم أن يعلم أنّ المالك الحقيقيّ للمال؛ هو الله تعالى، إلا أنّ الإسلام أقرّ أنّ حبّ المال من غرائز النفس؛ ممّا يدفعه إلى السعي والعمل لتحصيله، ثمّ العمل على تنميته، ثمّ ما يكون من الفرد من ادّخارٍ للمال، ولكنّ الواجب على المسلم أن يأخذ من المال ما يحتاجه، ويكون ما تبقّى من المال للضعفاء ولمن لا يملكونه، فالمال اختبارٌ وامتحانٌ من الله تعالى للعبد؛ حتى يعلم الله مصدر المال، وكيفيّة الحصول عليه، وأوجه إنفاقه، ومن خصائص النظام المالي في الإسلام الذي يعدّ جزءاً من النظام الإسلاميّ؛ أنه عبادةٌ كالعبادات الأخرى، سواءً أكان في الكسب أمّ في الإنفاق، وذلك بالترغيب في نيل الثواب من الله تعالى، وبالتحذير من عقابه، كما أنّ الأخلاق تعدّ من أسس النظام المالي الإسلاميّ؛ فالمال وسيلةٌ لنيل رضا الله تعالى وليس غايةً؛ إذ إنّ العبد متصرّفٌ بالمال فقط وليس مالكاً له؛ ليصرفه كيفما يشاء ويريد دون تحرّي ما يرضي الله تعالى، كما أنّ النظام المالي لا يصحّ ولا يستقيم إلا بالرقابة الذاتية من كلّ فردٍ، وبذلك تتحقّق مصلحة الأفراد والجماعات عامّةً، دون الانحياز لأيّ طرفٍ من الأطراف؛ تحقيقاً لمهمة الاستخلاف في الأرض الواجبة على كلّ مسلم، وتوظيفاً للقدرات البشرية التي منحها الله تعالى لعباده، ومن أهداف النظام المالي في الإسلام؛ تحقيق التكافل الاجتماعيّ، وتحقيق الحياة الكريمة للأفراد، وتوفير وسائل وطرق الكسب الحلال، كما أنّ الإسلام نظر إلى غير المسلمين بتأمين حقوقهم فيما يتعلّق بالنظام المالي،[٦] كما أنّ الإسلام حرّم كنز المال دون إخراج زكاته، وحذّر من ذلك بالوعيد الشديد، فإن أدّى العبد ما عليه من زكاة أمواله، فلا يحرم كنز المال حينها، وكذلك إن لم يبلغ المال المكنوز النصاب المقدّر شرعاً الذي يوجب إخراج الزكاة.[٧]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1631، صحيح.
  2. “المال نعمة ونقمة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2018. بتصرّف.
  3. سورة الفرقان، آية: 67.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3039، حسن.
  5. ^ أ ب “الحفاظ على المال في التشريع الإسلامي”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2018. بتصرّف.
  6. “نظرة الإسلام للمال”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2018. بتصرّف.
  7. “هل حرّم الإسلام كنز المال؟”، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2018. بتصرّف.