سنن ليلة الزفاف

الزواج

يُعدّ الزّواج آيةً من آيات الله العظيمة؛ قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[١] ففي ظل الزواج تَلتقي النفوس على المودة والرحمة، والعفة والطهارة، وتتشابك الأُسر والعائلات على رباط من المحبّة والألفة، والمُصاهرة فيما بينها، والزواج عبارة عن بناءٍ للأسرة المُسلمة التي هي لبنة أساسيّة من لبِنات المُجتمع المسلم، ولأنّ الزواج يَحمل كُلّ هذه المعاني العظيمة، وهو عبادةٌ يتقرّب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، كان لا بُدّ للزوجين من بناء البيت المُسلم حسب ما أمر الله سبحانه وتعالى ووفق نهج نبيّه صلى الله عليه وسلم.

سُنن ليلة الزفاف

للزفاف آدابٌ كثيرة ثبتت في السنة النبوية الشريفة منها:[٢]

  • أن ينوي الزوجان بنكاحهما إعاف نفسيهما، وإحصانهما عن الوقوع في الحرام.
  • ملاطفة الزوجة عند البناء بها: يُستحب للرجل إذا دخل على امرأته أن يقوم بملاطفتها؛ كأن يُقدّم لها شيئاً من الشراب، فعن أسماء بنت يزيد، رضي الله عنها قالت: (إني قيَّنتُ (زيّنت) عائشةَ لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثم جئتُه فدَعوتُه لجَلوتها، فجاء فجلس إلى جَنبِها فأُتي بعسِّ (القدح الكبير) لَبَنٍ، فشرب ثم ناولها فخَفَضت رأسَها واستحيَتْ، قالت أسماء: فانتهرتُها وقلتُ لها: خذي من يدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: فأخَذَت فشَرِبَت شيئًا، ثم قال لها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أعطي تِربَك…)[٣]
  • وضع الرجل يده على رأس امرأته، والدعاء لها، فمن السُنّة أن يضع الرّجل يده على مقدمة رأس امرأته عند البناء بها، فيُسمّي الله سبحانه وتعالى، ويدعو بالبركة، ويقول كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تَزوَّجَ أحدُكُمُ امرأةً أوِ اشتَرى خادمًا، فليقُلِ: اللَّهمَّ أنِّي أسألُكَ خيرَها وخيرَ ما جبلتَها علَيهِ، وأعوذُ بِكَ مِن شرِّها وشرِّ ما جَبلتَها علَيهِ، وإذا اشتَرَى بعيرًا فليأخُذْ بذِروَةِ سَنامِهِ، وليقُلْ مِثلَ ذلِكَ)[٤]
  • الصلاة؛ يُستحب للرجل وامرأته أن يُصلّيا ركعتين معاً؛ فقد روي أنّه (جاءَ رجلٌ يقالُ له: أبو حَرِيْزٍ، فقال: إِنَّي تزوجْتُ جاريَةً شابَّةً (بكرًا)، وإِنَّي أخافُ أنْ تفرُكَنِي، فقال عبدُ الله (يعني ابنُ مسعودٍ ): إِنَّ الإلْفَ مِنَ اللهِ، والفَرَكَ مِنَ الشيطانِ، يُريدُ أنْ يُكَرِّهَ إليكم ما أَحَلَّ اللهُ لكم، فإذا أَتَتْكَ فأْمُرْها أنْ تُصَلِّيَ وراءَكَ رَكْعَتَيْنِ. زاد في روايَةٍ أُخْرَى عنِ ابنِ مسعودٍ: وقلْ: اللهمَّ باركْ لي في أهلِي، وباركْ لَهُمْ فِيَّ، اللهمَّ اجمعْ بينَنَا ما جمَعْتَ بخيرٍ، وفَرِّقْ بينَنَا إذا فرقْتَ إلى خيرٍ)[٥]
  • أن يقول الرجل حين يُجامع امرأته: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا؛ فقد روى الإمام البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أما إنَّ أحدَكم إذا أتى أهلَه، وقال: بسمِ اللهِ، اللهمَّ جَنِّبْنا الشيطانَ وجَنِّبِ الشيطانَ ما رزَقْتَنا، فرُزِقا ولَدًا لم يَضُرَّه الشيطانُ)[٦] .
  • يجوز أن يأتي الرجل امرأته في قُبُلها، من أي جهة شاء، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ)[٧] ويُحرّم على الرجل أن يأتي امرأته في دُبُرها، أو حال الصيام، أو إذا كانت حائض؛ بل يجوز له أن يستمتع بها بما دون الفرج وهي حائض.
  • الوضوء بين الجماعين، والغُسل أفضل؛ فإذا أتى الرجل امرأته، ثمّ أراد أن يعود مرّةً أخرى فالأفضل أن يتوضأ كي يتجدّد نشاطه، وذلك لما رواه الإمام مُسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أَتَى أحدُكم أهلَهُ، ثم أرادَ أن يعودَ، فليتوضأْ، زادَ أبو بكرٍ في حديثِهِ : بينَهما وُضوءًا، وقال: ثم أرادَ أن يُعاوِدَ)[٨] والغُسل أفضل وذلك لما رواه أسلم القبطي أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طاف ذاتَ يومٍ على نسائِه يغتسِلُ عندَ هذه وعندَ هذه قال قلتُ له يا رسولَ اللهِ ألا تجعَلُه غُسلًا واحدًا قال هذا أزكى وأطيبُ وأطهرُ)[٩] ويُستحب أيضاً لمن أراد أن ينام وهو جُنُب أن يتوضّأ أو يتيمّم.
  • تحريم نشر أسرار استمتاع كلٍّ من الزوجين بالآخر، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من أشرِّ النَّاسِ عندَ اللَّهِ منزلةً يومَ القيامةِ الرَّجُلَ يفضي إلى امرأتِهِ وتُفضي إليْهِ ثمَّ ينشُرُ سرَّها)[١٠]

يُستحبّ للرجل صبيحة بنائه بامرأتِه أن يأتي أقاربه ويُسلّم عليهم، وأن يعمل وليمةً بعد الدخول، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فاطمة: ( إنه لا بُدَّ للعُرسِ من وَليمةٍ)[١١]

منكرات في ليلة الزفاف

حثّ الإسلام على إظهار الفرح ولكن بالمُباح المشروع، والابتعاد عن المحرّم الممنوع، والابتعاد عن المُنكرات المتعارف عليها بين الناس في إظهارهم لفرحهم، ومن هذه المنكرات: [١٢]

  • من المُنكرات التي تَعارف عليها الناس في أفراحهم ومُناسباتهم؛ الاختلاط بين الرّجال والنساء، سواءٌ في الزفّة “الليلة التي تسبق ليلة الزفاف”، أو في زفّة العريس، أو في دخول كلٍّ من أهلِ العريس أو العروس إلى قاعة الاحتِفال، أو دخول مُصوّر رجل إلى قاعة النساء.
  • اللّبس المحرّم والسفور: تتّخذ كثيرٌ من النساء الأفراح والمناسبات باباً لانتهاك المحرّمات باسم الفرح، ولا يَضعن حاجزاً او سداً أمام شرع الله وما نهى عنه، وربّما كان ذلك بلا قصد، ولكنّ النتيجة واحدة؛ وهي انتهاك ما حرّم الله، ومن تلك الانتهاكات؛ التزيّن باللبس الفاضح، والعطور، وغيرها من التبرّج والزينة.
  • الإسراف والتبذير: فالإنفاق دون ضَابط، أو رادع، وذلك من خلال إقامة المآدب، والوَلائم، والضيافة، التي تكون بكميّاتٍ كبيرة تَزيد عن عدد الحضور، ممّا يُؤدّي إلى إتلاف كميّاتٍ كبيرة منها.
  • ترويع الناس وإزعاجهم؛ وذلك من خلالِ استِخدام الأسلحة ، والألعاب الناريّة، وإغلاق الطرقات، وأصوات الغناء المُرتفعة وغيرها.

المراجع

  1. سورة الروم، آية: 21.
  2. الألباني (2002)، آداب الزفاف في السنة المطهرة، السعودية: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 91-144. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في آداب الزفاف، عن أسماء بنت يزيد، الصفحة أو الرقم: 19، روي بإسنادين يقوي أحدهما الآخر وله شاهد.
  4. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم: 2380، إسناده حسن.
  5. رواه الألباني، في آداب الزفاف، عن شقيق بن سلمة، الصفحة أو الرقم: 23، إسناده صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3271، صحيح.
  7. سورة البقرة، آية: 223.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 308، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أسلم القبطي أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 219، حسن.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1437، صحيح.
  11. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 2419، صحيح.
  12. غانم غالب غانم، منكرات الأفراح (الطبعة 1)، صفحة 46-50. بتصرّف.