أحاديث الأربعين النووية

الحديث النبوي

يُعرّف الحديث لغةً بأنّه كل ما يُتحدّث به من الكلام أو الأخبار،[١] أما اصطلاحاً فيُعرف الحديث النبوي على أنّه ما أُضيف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ، أو عملٍ، أو تقريرٍ، أو صفة خَلقية، أو خُلقية،[٢] ويمكن القول أنّ التقرير يعني عدم إنكار النبي -عليه الصلاة والسلام- على قول أحد الصحابة -رضي الله عنهم- أو فعله، إذ إنّ سكوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمّا يَبلغه من الفعل أو القول يُعدّ تقريراً له، مما يكسبه صفة شرعية؛ لأنّه لا يُقرّ أمراً غير مشروع، أمّا صفاته الخَلقية فهي ما رُوي عنه في الأحاديث مثل لون بشرته، ووصف شعره، وطوله، وكيفية مشيه، وغيرها من الصفات، والمقصود بالصفات الخُلقية ما رُوي بكونه أجود النّاس، وأشجعهم، وأكثرهم تواضعاً، بالإضافة إلى وصف عطفه على المساكين، والفقراء، وحلمه، وعفوه على الرغم من مقدرته على العقوبة، وغيرها من فضائل الأخلاق، وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض العلماء يعتبرون كلام الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين وأعمالهم من الحديث.[٣]

وينقسم علم الحديث إلى قسمين، وهما علم الحديث درايةً، وعلم الحديث روايةً، ويمكن القول أنّ علم الحديث روايةً أعظم العلوم وأشرفها، فهو علم يختص بنقل أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، والاحتراز من الخطأ في نقلها، لمعرفة كيفية الاقتداء بأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفاته، مصداقاً لقول الله تعالى : (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)،[٤] ويُعدّ محمد بن شهاب الزهري شيخ الإمام البخاري مؤسّس هذا العلم، وأول من دوّنه التدوين العام، ومما يُكسب هذا العلم المزيد من الأهمية أنّ قواعد الأحكام الشرعية تُبنى عليه، ومن خلاله يتم تفصيل ما أُجمل من آيات القرآن الكريم.[٣]

الأربعون النووية

يعدّ كتاب الأربعون النووية من أشهر الكتب، وقد سمّي بهذا الاسم نسبة إلى مؤلفه الإمام النووي، ولاحتوائه على أربعين حديثاً نبوياً اشتملت على جوامع كلام النبي عليه الصلاة والسلام، بالإضافة إلى الكثير من قواعد الإسلام، وأحكام الشريعة، والفقه، ومن الجدير بالذكر أنّ أغلب الأحاديث الواردة في الأربعين النبوية أحاديث صحيحة، حيث يبلغ عدد الأحاديث المتفق عليها اثنى عشر حديثاً، وعدد الأحاديث التي انفرد بها الإمام مسلم -رحمه الله- ثلاثة عشر حديثاً، وباقي الأحاديث مروية بين الترمذي، وابن ماجة، والدارقطني، والبيهقي، والنسائي، وتجدر الإشارة إلى أنّ الكتاب يضم نسبة قليلة من الأحاديث الحسنة وغيرها، وقد وضّح الإمام النووي -رحمه الله- أهمية هذا الكتاب، حيث قال: “وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث، لِما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لمن تدبره”.[٥]

وقد حرص الكثير من علماء السلف والخلف على جمع أربعين حديثاً نبوياً، وصنّفوا في ذلك الكثير من المصنفات على اختلاف مقاصدها، وجمعها، وترتيبها، حيث اعتمد بعضهم في أربعينه على ذكر أحاديث التوحيد، وإثبات الصفات، كما فعل أبو إسماعيل الهروي في كتابه الأربعين في دلائل التوحيد، والإمام الذهبي في كتاب الأربعون في صفات رب العالمين، واعتمد بعضهم الآخر على ذكر أحاديث العبادات، كما فعل تلميذ الإمام السيوطي يوسف بن عبد الله الحسيني الأرميوني المصري، في كتاب الأربعين في العبادات، وعلى الرغم من كثرة الكتب الأربعينية وتنوعها، إلا إنّ كتاب الأربعين النووية يعدّ أشهرها، حيث قصد الإمام النووي جمع أربعين حديثاً في قواعد الدين وأصوله،[٦] وأكّد على صحتها، حيث قال في مقدمة الكتاب: “وألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيح البخاري ومسلم”، ولكن غيره من أئمة الحديث اختلفوا معه في تحسينه لبعض الأحاديث، ومن هؤلاء الحافظ ابن رجب الحنبلي، حيث أشار لضعف أسانيد بعض تلك الأحاديث، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:[٧]

  • الحديث الثاني عشر: رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (من حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه).[٨]
  • الحديث التاسع والعشرون: رُوي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (وهل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم، أو مَناخِيرهم إلَّا حَصائدُ ألسنِتِهم).[٩]
  • الحديث الثلاثون: رُوي عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ، فلا تُضَيِّعُوها، وحَّدَ حُدُودًا فلا تَعْتَدُوها، وحَرَّمَ أَشْياءَ، فلا تَنْتَهِكُوها، وسَكَتَ عن أَشْياءَ رَحْمَةً لَكُمْ غيرَ نِسْيانٍ، فلا تَبْحَثُوا عَنْها).[١٠]
  • الحديث الحادي والثلاثون: رُوي عن سهل بن سعد الساعدي عن النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (ازهد في الدُّنيا يحبُّك الله، وازهد فيما في أيدي النَّاس يحبُّك النَّاس).[١١]
  • الحديث التاسع والثلاثون: رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إن اللهَ تجاوز عن أمتي ثلاثةً : الخطأَ والنسيانَ وما استُكرهوا عليه).[١٢]
  • الحديث الحادي والأربعون: رُوي عن النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (لا يُؤمن أحدكُم حتَّى يكون هواهُ تبعاً لما جئتُ به).[١٣]

الإمام النووي

هو الإمام الزاهد الورِع محيي الدين يحيى بن شرف النووي، كنيته أبو زكريا، ووُلد في عام 631هـ في قرية نوى التي تقع في سهل حوران في سوريا، حيث بدأت رحلته في طلب العلم منذ صغره، وبدأ بحفظ القرآن الكريم ودراسة الفقه عند أهل العلم قبل أن يتجاوز العاشرة من العمر، وفي العام 649هـ سافر برفقة والده لطلب العلم في مدرسة دار الحديث، وسكن في المدرسة الرواحية، وسرعان ما تميز الإمام النووي على أقرانه من خلال الاجتهاد، والجد في طلب العلم، وسرعة الحفظ، بالإضافة إلى سعة العلم، والثقافة المتعددة، وكثرة الإنتاج، حيث كان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على مشايخه شرحاً وتصحيحاً.[١٤]

وقال عنه العطار رحمه الله: “كان حافظاً للمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة، والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، وما اشتهر من ذلك جميعه وما هجر، سالكاً في كلها طريقة السلف”، وقد صنف الإمام النووي -رحمه الله- الكثير من الكتب ومنها: المنهاج، ورياض الصالحين، والروضة، والأذكار، وشرح صحيح مسلم، والأربعين النووية، وغيرها الكثير، وعاش حياته في خدمة الدين والعلم إلى أن توفاه الله في الرابع والعشرين من رجب عام 676هـ في قرية نوى.[١٤]

المراجع

  1. “تعريف و معنى الحديث في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.
  2. “تعريف الحديث الشريف لغة واصطلاحا”، fatwa.islamweb.net، 2002-11-26، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب الشيخ طه الساكت (16-3-2014)، “في معنى ” الحديث ” لغة واصطلاحا وما يتصل به”،- www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.
  4. سورة الأحزاب، آية: 21.
  5. حسين لون بللو (10-11-2018)، “أهمية الأربعين النووية وسبب تأليفها”، www.alukah.net، اطّل-ع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.
  6. محمد صالح المنجد، ” الأربعون القلبية (المقدمة)، الأربعينات..تاريخها ولماذا ألّف فيها العلماء؟”، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.
  7. “هل جميع الأحاديث في الأربعين النووية صحيحة ؟”، www.islamqa.info، 28-09-2011، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.
  8. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 299، أخرجه في صحيحه.
  9. رواه ابن رجب، في جامع العلوم والحكم، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2/135، رواية مرسلة.
  10. رواه محمد ابن عبد الوهاب، في العقيدة والآداب الإسلامية، عن أبي ثعلبة الخشني، الصفحة أو الرقم: 267، حسن.
  11. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 954، صحيح.
  12. رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن ثوبان مولى رسول الله، الصفحة أو الرقم: 4/182، متروك.
  13. رواه النووي، في الأربعين النووية، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 41، حسن صحيح.
  14. ^ أ ب “الإمام النووي .. حياة مع العلم”، www.islamstory.com، 2014/06/03، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.