دنا السرب إلا أن هجرا يباعده – الشاعر البحتري

 

دَنَا السّرْبُ، إلاّ أنّ هَجراً يُباعِدُهْ،
وَلاحَتْ لَنَا أفْرَادُهُ، وَفَرَائِدُهْ
بَدَأنَ غَرِيبَ الحُسْنِ ثُمّ أعَدْنَهُ،
فَهُنّ بَوَادِيهِ، وَهُنّ عَوَائِدُهْ
نَوَازِلُ مِن عَرْضِ اللّوَى كلَّ منزِلٍ،
أقامَ طَرِيفُ الحُسنِ فيهِ، وَتَالِدُهْ
ألا تَرَيَانِ الرَّبْعَ رَاجَعَ أُنْسَهُ،
وَعادَتْ إلى العَهْدِ القَديمِ مَعاهِدُهْ
كقَصْرِ حُمَيدٍ بَعدمَا غاضَ حُسنُه،
وأَقوّتْ نَوَاحيهِ، وَأجْدَبَ رَائِدُهْ
تَلافَاهُ سَيْبُ الصّامِتيّ مُحَمّدٍ،
فَعَادَتْ لَهُ أيّامُهُ وَمَشَاهِدُهْ
فقَد جُمّعتْ أشتاتُ قوْمٍ، وَأُصْلحتْ
جَوَانبُ أمرٍ، بَعدما التَاثَ فاسِدُهْ
تجَلّى، فأجلى ظُلمَةَ الظّلمِ عَنهُمُ،
وَأشرَقَ فيهِمْ عَدْلُهُ وَرَوَافِدُهْ
وَمَا زَالَ يُحْبَى الحَقَّ حَتّى أنَارَهُ
لَهُ وَأمَاتَ الجَوْرَ فارْتَدّ خَامِدُهْ
تَوَسّطَ أوْساطَ الأُمُورِ بِنَفْسِهِ،
وَنَالَ نَوَاحيها الأقاصِي تَعَاهُدُهْ
فإنْ تَجحَدُوهُ أنْعُماً، بَعدَ أنعُمٍ،
مُرَّددةٍ فيكُمْ، فَهُنّ شَوَاهدُهْ
وَإنْ تُنقِصُوهُ حَقّ ما أوْجَبَتْ لَهُ
إرَادَتُهُ في الله، فالله رَائِدُهْ
خَليلُ هُدًى، طَوْعُ الرّشادِ قَضَاؤه؛
حَليفُ نَدًى أخذُ اليَدَينِ مَوَاعدُهْ
وَما اشتَدّ خَطْبُ الإ انبرَى لهُ
أبُو نَهشَلٍ، حَتّى تَلينَ شَدائِدُهْ
فَقُلْ لقَليلٍ في المُرُوءةِ وَالحِجَى؛
تَكَثَّرُ عندَ النّاسِ، إن قل حاسدُهْ
حِذار، فإنّ البَغيَ خَوْضُ مَنيّةٍ،
مَصَادِرُهُ مَذْمُومَةٌ، وَمحَامِدهُ
وَرَاءَكَ مِنْ بَحْرٍ يَغُطُّكَ مَوْجُهُ،
وَمِنْ جَبَلٍ تَعلو علَيكَ جَلامِدُهْ
تَرُومُ عَظِيماً جَلّ عَنكَ، وَتَرْتَجي
ريَاسَةَ خِرْقٍ عَطّلَتكَ قَلائِدُهْ
ومسبعة من دون ذاك أسوده
حصاها ومحواةٌ نقاهة اساودةٌ
وَتَدْبِيرُ مَنْصُورِ العَزِيمَةِ يَغتَدي،
وَتَدْبِيرُهُ حَادي النّجَاحِ وَقَائِدُهْ
إذا مَا رَمَى بالرّأيِ خَلْفَ أبِيّةٍ
مِنَ الأمْرِ يَوْماً أدرَكَتها مَصَايدُهْ
لَهُ فِكَرٌ بَينَ الغُيُوبِ، إذا انتَهَى
إلى مُقْفَلٍ مِنْهَا، فَهُنّ مَقالِدُهْ
صَوَاعِقُ آرَاءٍ لَوِ انْقَضّ بَعْضُهَا
على يَذبُلٍ، لانقَضّ أوْ ذابَ جامدُهْ
غَمَامُ حَياً ما تَسترِيحُ بُرُوقُهُ،
وَعارِضُ مَوْتٍ لا تَفيلُ رَوَاعِدُهْ
وَعَمْرُو بنُ مَعدي، إن ذَهبتَ تَهيجُه،
وَأوْسُ بنُ سُعدى، إن ذهَبتَ تُكايدُه
تَظَلُّ العَطَايَا وَالمَنَايَا قَرَائِناً
لِعَافٍ يُرَجّيهِ، وَغَاوٍ يُعَانِدُهْ
إذا افْتَرَقَتْ أسْيَافُهُ وَسْطَ جَحفلٍ،
تَفَرّقَ عَنْهُ هَامُهُ، وَسَوَاعِدُهْ
فَلا تَسْألَنْهُ خِطّةَ الظّلْمِ إنّهُ
إلى مَنصِبٍ، تَأبَى الظّلامَ مَحاتِدُهْ
فَصَامتهُ، وَشَمْسُهُ، وَحَميدُهُ،
وَرَبْعِيّهُ، تِرْبُ الرّبيعِ، وَخالِدُهْ
وَأكْرِمْ بغَرْسٍ، هَؤلاء أُصُولُهُ؛
وَأعْظِمْ بِبَيْتٍ، هَؤلاءِ قَوَاعِدُهْ
لَهُ بِدَعٌ في الجُودِ تَدْعُو عَذُولَهُ
عَلَيْهِ إلى استِحسانِها، فيُساعِدْهُ
إذا ذَهَبَتْ أمْوَالُهُ نَحْوَ أوْجُهٍ
من البَذلِ جاءَتْ من وُجوهٍ مَحامدُهْ
وَلَوْ أنّ خَلفَ المَجدِ للمَرْءِ غايَةً،
لحَازَ المدَى الأقصَى الذي حازَ وَالِدُه
يُعَارِضُهُ في كُلّ فِعْلٍ، كَأنّهُ،
غَداةَ يُبَارِيهِ، عَدُوٌّ يُجَاهِدُهْ