قل للخيال إذا أردت فعاود – الشاعر البحتري

قُلْ للخَيالِ، إذا أرَدتَ، فعَاوِدِ،
تُدْنَ المَسَافَةُ من هَوًى مُتَباعِدِ
فلأنْتَ في نَفِسي، وإنْ عَنّيْتَني
وَبَعَثْتَ لي الأشجانَ، أحْلَى وافدِ
باتَتْ بأحْلامِ النّيامِ تَغُرُّني
رَوْدُ التّثَنّي، كالقَضِيبِ المائِدِ
ضَاهَتْ بحُلّتِهَا تلهب خَدّهَا،
حتّى اغتدتْ في أرْجُوَانٍ جاسِدِ
لتَجُدْ أهاضِيبُ السّحابِ على اللّوَى،
وَعلى تَنَاضُرِ نَبْتِهِ المُسْتأسِدِ
كانَ الوِصَالُ بُعَيْدَ هَجرٍ مُنقضٍ
زَمَنَ اللّوَى، وَقُبَيْلَ بَينٍ آفدِ
ما كانَ إلاّ لَفْتَةً مِنْ نَاظِرٍ
عَجِلٍ بها، أوْ نَهْلَةً مِنْ وَارِدِ
هلْ أنتَ من برج الصّبَابَةِ عاذري،
أمْ أنْتَ من شكوى الصّبَابَةِ عائِدي
شَوْقٌ تَلَبّسَ بالفُؤادِ دَخيلُهُ،
والشّوْقُ يُسرِعُ في الفؤادِ الوَاجِدِ
قَصَدتْ لنَجرَانِ العِرَاقِ رِكابُنا،
فطْلُبْنَ أرْحَبَها، مَحَلّةَ ماجِدِ
آلَيتُ لا يثنَينَ جِدّاً صَاعِداً
في مَطلَبٍ، حتّى يُنَخنَ بصَاعِدِ
خِرْقٌ أضَافَ إلَيهِ عَلْتا مَذحِجٍ،
حَسَبٌ تَنَاصَرَ، كالشّهابِ الوَاقِدِ
كسب المحامد في زمان لم يبت
راجي الصريفيين فيه بحامد
أيْهاتِ يَلْحَقُ من غُبارِكَ لمحةً،
وَلَوَ أنّ في يَدِهِ عِنَانَ الذائِدِ
رَغبتْ بنَفسكَ عن خَساسةِ نَفسِهِ،
شِيَمٌ رَغِبْنَ بمُخلدٍ عن خالِدِ
وَيَرُدُّ غَرْبَ مُساجليكَ، إذا غَلوا،
سَعْيٌ أطَلْتَ بهِ عَنَاءَ الحاسِدِ
جَهِدُوا على أنْ يَلحقوكَ، وأفحشَ الـ
حـِرْمانِ يُقْدَرُ للحَرِيصِ الجاهِدِ
نبهت ديوان الضياع وقد علت
أسبابه سنة الحسير الهاجد
بصَرِيمَةٍ، كالسّيفِ هَزّ غِرَارَهُ
ماضِي الجَنانِ بهِ، طَوِيلُ السّاعِدِ
وإذا قَسَطْتَ على العَزِيزِ، صَغَا به
ذُلٌّ إلَيْكَ، وَطاعَ غَيرَ مُعانِدِ
وَإذا طَلَبْتَ الفَيْءَ طِيرَ بِقَائِمٍ
مِمّنْ تُطَالِبُهُ، وَقِيمَ بقاعِدِ
لله أنْتَ ضِيَاءُ خَطْبٍ مُظْلِمٍ،
حتّى انجَلى، وَصَلاحُ أمرٍ فاسِدِ
كمْ نِعْمَةٍ لكَ لمْ تخَلْها تُلتَوي،
باتَتْ تُقَلْقَلُ طَوْعَ بَيْتٍ شارِدِ
سَيّرْتَ عاجِلَ ذِكْرِها بغَرَائِبٍ،
يَطْلُبنَ قاصِيَةَ المَدَى المُتَبَاعِدِ
وأرَى المُقِرَّ بِنعْمَةٍ ما لمْ يَسِرْ
في النّاسِ حُسنُ حديثِها كالجاحِدِ
لي ما عَلِمتَ من اتّصالِ مَوَدّةٍ،
وَمُقَدَّمَاتِ رَسائِلٍ، وَقَصَائِدِ
وأقَلُّ ما بَيني وَبَيْنَكَ أنّنَا
نَرْمي القَبَائِلَ عَنْ قَبِيلٍ وَاحِدِ