مرضى الإيدز ومخاوف العزلة

ان العلاج الدوائي الذي يتكون من كوكتيل (مزيج) من الأدوية، يمنح مرضى الإيدز متوسط عمر قريب من متوسط العمر الطبيعي لدى الأشخاص الأصحاء. حتى أنه من المتبع في السنوات الأخيرة التعامل مع الإيدز على أنه مرض مزمن.

مرضى الإيدز ومخاوف العزلة

لا توحي كلمة “إيجابي”، بالنسبة لحاملي فيروس نقص المناعة البشرية -HIV ومرضى الإيدز، بأي شيء جيد على الإطلاق… تدور العديد من المخاوف في رأس الإنسان عندما يدرك أنه حامل لفيروس الإيدز، كما يدرك معظم الحاملين للفيروس في مرحلة ما، أن أحد الأمور الأكثر صعوبة التي ينبغي مواجهتها هي ردة فعل البيئة المحيطة، والتي لا تقل صعوبة عن التعامل مع الأدوية والمشاكل الصحية.

الإيدز هو أحد الأمراض التي تتميز بتكوّن انطباع سلبي عنها لدى عموم الناس. هذا الإنطباع السلبي لا يسيء إلى المرضى فقط، والذين يضطرون إلى مواجهة تقييمات وآراء سلبية مختلفة، بل يسيء أيضًا إلى الأشخاص المعرضين للإصابة بالإيدز- وهم الأشخاص الذين لا يدركون مدى خطورة المرض والذين يتأثرون بالآراء والمواقف السلبية المسبقة.

ينبع الإنطباع السلبي عن مرض الإيدز، بالأساس، من الربط (الخاطئ) بين الإيدز والمثلية الجنسية. ذلك أن الحالات الأولى التي وصفت من الإصابة بمرض الإيدز كانت قد حصلت لدى رجالٍ مثليي الجنس. ولذلك تم الربط، بشكل وثيق وقاطع، بين الإصابة بمرض الإيدز وبين ممارسة العلاقات المثلية. إستغلت الجهات التي تعاني من رهاب المثلية الجنسية هذا الربط بين المثلية وبين الإيدز لعزل و”إصلاح” فئة المثليين جنسيًا. وعلى الرغم من أن الإيدز قد أصاب عددا غير قليلٍ، إطلاقا، من “الغيريين” جنسيًا، من الرجال والنساء، وأودى بحياة عدد كبير منهم، إلا أن هذا الربط السلبي لم يتغير. كذلك، فإن حقيقة أن الإيدز مرتبط بتعاطي المخدرات (بسبب الإستخدام المتعدد للإبر غير المعقمة) لم تضف شيئًا جديدًا.

لقد كانت نظرة المجتمع إلى الإيدز تتمثل في أنه مرض يصيب المثليين والمدمنين على المخدرات، لذلك لم يلق الإهتمام والحذر المناسبين من قبل فئات المجتمع المختلفة.

حتى في هذه الأيام، وبعد أن إتضح بأن الوضع مختلف وبأن الأمر ليس كذلك تماما، لا يزال مرض الإيدز يعتبر، في أماكن عديدة، مرضًا يدل على سلوكٍ “غير لائق”، أو حتى جنائي. وبالإضافة إلى كون الإيدز مرضًا معديًا، فقد تكوّن إنطباع إشكالي عنه يُصعب على مرضى الإيدز وحاملي فيروس نقص المناعة البشرية -HIV الظهور الطبيعي في المجتمع المحيط.

يدفع الخوف من النفور وإصدار الأحكام المسبقة والإنتقادات غير المنطقية العديد من حاملي ومرضى الإيدز إلى الإختفاء، العزلة والشعور بالعار. فبالإضافة إلى المشاكل الجسدية، يضطر حاملو فيروس الايدز والمرضى إلى مواجهة ضغوطات نفسية شديدة.

في كثير من الأحيان، لا يقتصر النفور على البيئة البعيدة فقط، بل يظهر في داخل البيت أيضا. الحالات التي قام فيها الأهل بالتبرؤ من أولادهم والتي قامت فيها العائلات بإبعاد ابنها المريض من بين ظهرانيها هي حالات ليست نادرة. قد يؤدي هذا الرفض والإقصاء من أكثر المقربين إلى تدهور الحالة الصحية للمريض، وذلك لأن معالجة الإيدز تعتمد، بشكل أساسي، على المواظبة على تناول الـ”كوكتيل”- وهو المزيج الدوائي الذي يمنع تقدم المرض. قد يعاني المرضى الذين يعيشون في عزلة والذين يواجهون النفور، الرفض والإقصاء من قبل العائلة و/أو المجتمع من انعدام أي حافز أو دافع لمعالجة أنفسهم وتناول الأدوية.

كيف يواجه مرضى الإيدز المرض؟

في حالة مرض الإيدز، يشكل الوعي جزءًا لا يتجزأ من مواجهة المرض. بمجرد أن يُحسن المجتمع الإنطباع السائد عن الإيدز وفيروس نقص المناعة البشرية -HIV ويمنح المرضى وحاملي الفيروس رعاية عاطفية لائقة، تقل التأثيرات والمضاعفات السلبية المترتبة على المرض، كما قد تزداد احتمالات وفرص منعها، أيضا.

الطريقة الأمثل لتحقيق الوعي هي التحدث عن المرض، القراءة عنه والتعرف عليه. هكذا تستطيعون حماية أنفسكم، ومن خلال ذلك ستكتشفون أنه ليس “من البديهي أو المفروغ منه” أن يصدر الحكم بالموت أو بالعزلة على جميع مرضى الإيدز أو حاملي الفيروس.

من أجل الوصول إلى هذا المستوى من الوعي من المهم دحض عددا من الإعتقادات الخاطئة السائدة والخطيرة حول مرضى الإيدز:

المثليون أو المدمنون فقط هم الذين يصابون بالإيدز: يعتقد العديد من الناس أن المثليين والمدمنين على المخدرات هم فقط الذين يمكن أن يصابوا بمرض الإيدز. هذا الاعتقاد هو خاطئ وخطير. من الممكن أن يؤدي أي إتصالٍ جنسيٍ يتم من دون وقاية مع شخص حامل لفيروس الـ HIV أو مريض بالإيدز إلى إنتقال العدوى.

المرأة التي تصاب بالإيدز هي إمرأة منحلة أخلاقيًا: هذا إعتقاد آخر لا يقل خطورةً عن السابق، إذ يكفي إتصال جنسي واحد من دون وقاية لإنتقال العدوى. ليس بالضرورة أن يكون الشخص الذي يصاب بالإيدز مثليا أو منحلًا. يُصعب هذا الإعتقاد كثيرًا على النساء أن يظهرن أمام الناس كحاملات للفيروس أو كمريضات بالإيدز، الأمر الذي قد يجعل الناس يعتقدون بأن هذه المشكلة لا تعاني منها النساء، ولذا فهي لا تثير القلق ولا تستدعي الحذر.

كل إتصال مع مريض مصاب بالإيدز هو خطير: هذا الإعتقاد هو أحد الإعتقادات السائدة التي ترسخ الإنطباع السلبي وتساهم في تكوّن وإصدار الأحكام المسبقة على مرضى الإيدز. هذا الإعتقاد هو غير صحيح مطلقا! فسوائل الجسم الوحيدة التي يمكن للفيروس الإنتقال عبرها هي السائل المنوي، إفرازات المهبل، الدم وحليب الأم. بالإمكان، بالطبع، معانقة أو تقبيل مريض الإيدز أو حامل فيروس الـ HIV، أو الإمساك بيده، بالتأكيد، دون أن يكون في ذلك اي مبعث لأي خطر. بل أكثر من ذلك، من المفضل إجراء مثل هذا الإتصال مع المريض من أجل مساندته ودعمه. وقد أثبت عدد لا يحصى من الدراسات أن هناك علاقة طردية مباشرة بين الحالة النفسية الجيدة والمعنويات المرتفعة لدى المريض وبين وضعه الصحي: فكلما كانت حالة المريض النفسية أفضل وكلما كانت معنوياته أفضل، كان وضعه الصحي أفضل. وكما ذكر أعلاه، في حالة مرض الإيدز، الذي يتعلق مدى نجاح معالجته بمدى مواظبة المريض، فإن الدعم المعنوي الذي يشمل الحضن الدافئ أو العناق لشخص حامل للفيروس أو الشخص مصاب بالمرض يمكن أن يساعد كثيرًا.

لا يمكن العيش مع مرض الإيدز: هذا الإعتقاد غير صحيح. على الرغم من أنه ليس هنالك، حتى الآن، علاج شاف لهذا المرض، إلا أن العلاج الدوائي المتوفر اليوم، والذي يتكون من كوكتيل (مزيج) من الأدوية، يمنح مرضى الإيدز متوسط عمر جيد وغير بعيد عن متوسط العمر الطبيعي لدى الأشخاص الأصحاء. حتى أنه من المتبع في السنوات الأخيرة التعامل مع الإيدز على أنه مرض مزمن.

لا يمكن لمرضى الإيدز إقامة العلاقات الزوجية: هذا الإعتقاد غيرُ دقيقٍ. لا تؤدي إقامة علاقة جنسية آمنة مع حامل فيروس الـ HIV أو مريض الإيدز إلى إنتقال العدوى إلى الشريك/ه غير المريض/ه. يستطيع مريض الإيدز أو حامل فيروس الـ HIV الذي يتلقى علاجًا بشكل منتظم ومراقبٌ كما يجب، عيش حياته بكافة تفاصيلها الكاملة، بما في ذلك إقامة العلاقات الجنسية (الآمنة طبعًا) كما يصلح مريض الإيدز لأن يكون زوجا/ه في جميع المجالات.

يمكن رؤية الإيدز على وجه المريض: هذا اعتقاد خاطئ يقصد به “الجروح”، وهو الانطباع الذي تكوّن على ما يبدو بتأثير الأفلام الهوليودية التي تصف المراحل النهائية من المرض. فكما ذكر أعلاه، إذا ما واظب المريض على تناول العلاج الدوائي المنتظم والمراقب، فمن المرجح أن لا تظهر أية أعراض مرض الايدز الخارجية.

من المهم تنظيم أيام للتوعية حول مرض الإيدز، يجب أن تكرس لظهور المرضى أمام الناس وللجانب الإجتماعي للمرض. فالجهل والأحكام المسبقة لا تُصعب على المرضى والحاملين للفيروس، فقط، إنما على المجمتع باسره أيضا، إذ أنها تمنع الناس من فحص وحماية أنفسهم من المرض.

ومن هنا، فإن إحتضان مرضى الإيدز وإزالة الغبار عن هذا المرض هو أمر مهم ليس من أجل الصحة النفسية والجسدية للمرضى، فقط، وإنما من أجل صحتنا جميعًا.

إذا كنتم تعرفون شخصًا يحمل فيروس الـ HIV أو مصابا بمرض الإيدز، فمن المفضل أن تبادروا إلى التحدث معه، دون أي خوف أو قلق.


من قبل
ويب طب –
السبت 1 كانون الأول 2012


آخر تعديل –
الأحد 23 تشرين الثاني 2014


المرجع : webteb.com